من المجموعات القصصية لليافعين:
قصة: شتاءُ القلوب الدافئة (5)
من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة
تأليف: عماد كوسا
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: شتاءُ القلوب الدافئة (5) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
يجبُ أنْ نجمعَ الحَطَبَ يا أمي، أنا لا أقوى على بردِ الشتاء.
ظلَّت الأمُّ صامتةً، نظرتْ من النّافذة إلى الخارج، كانَ الناس حقًّا ينطلقون إلى الجبل ليجمعوا الحطبَ للشتاء القارس.
قالتْ فاطمةُ مِنْ جديد:
في العام الماضي لمْ نجمعْ كفايتنا من الحطب، فعانينا من البرد كثيرًا.
قالت الأم وهي لا تزال تنظرُ عبرَ النّافذة:
ومَنْ قالَ لكِ يا بنيّتي إنّني سأعيشُ حتى الشتاء؟ ألا ترينَ حالي؟ إنَّ المرض يشتدُّ عليَّ يومًا بعد يوم.
قالت فاطمة:
أتمنى لك دوامَ العافية يا أمي، وأنا ماذا سيحصل لي؟
قالت العجوز:
أنتِ يا بنيّتي لا شكَّ أنّه سيتقدَّم أحدُ شباب القرية لخطبتك، ويتزوّجك قبل الشتاء، لذا فلا حاجةَ لنا إلى جمع الحطب.
ضحكت فاطمة وقالت:
وإذا لم يحصل شيءٌ مِنْ ذلك يا أمي؟
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: شتاءُ القلوب الدافئة (5) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
أجابت الأم، وقد بدا عليها الغضب:
تفاءَلي بالخير، ولا تكوني متشائمة.
ردّت فاطمة:
أجل يا أمي، لكن لا بدّ أنْ نخطط ونحسبَ لكلّ طارئ.
قطعت الأم حوارها مع ابنتها بحزمٍ وهي تقول:
دعيني أرتاح قليلًا، ولا تكثري عليّ الهموم.
كما تشائين يا أمّاه.
لكنَّ فاطمة قرّرت أنْ تقوم بخطةٍ جميلة، لأنّها قالت في نفسها: "لا أحد يعلم ماذا سيحدثُ في المستقبل، لكن يمكن أن نخطط له"، إنّها تحب أمّها كثيرًا، وتتمنى أن تتمتع مثلها بهذا القدر من التفاؤل، لكنّ عليها القيام بأمرٍ ما.
وبدأت تخرج في كلِّ صباحٍ لتُنفِّذَ خطتها.
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: شتاءُ القلوب الدافئة (5) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
لقد كانت تتوجَّه مع رفيقاتها إلى الجبل لتجمع الحطبَ مثلَهُنَّ. وخبأت هذا السرّ عن أمها كي تفاجئها حين يشتد البرد.
كوّمت فاطمة ما جمعته من الحطب في زاوية الدار بعيدًا عن أنظار أمها، وفي أحدِ الأيام ابتعدت فاطمةُ كثيرًا مع رفيقاتها بحثًا عن الحطب حتى اقتربن من البلدة المجاورة، وبينما كنّ تبحثن عن الحطب مرَّ بالقرب منهن شابٌ طويل يقودُ قطيعًا من الغنم الأبيض.
قال الشاب:
سوف أدُلكنَّ على مكانٍ قريبٍ فيه كثير من الحطب الجيّد.
قالت فاطمة:
شكرًا لك أيَّها الشاب الطيب، لأنك تحبُّ مساعدة الآخرين.
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: شتاءُ القلوب الدافئة (5) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
ومرَّت الأيام بسرعة كعادتها، وبدأت اللقالق تتجمع في السماء وتودّع النّاس بعروضٍ جميلة، وحملت الرياحُ معها لسعات البرد، واشتَمَّ الناسُ مِنَ الغيوم الصاعدة في الأفق الغربي رائحةَ المطر.
قالت فاطمة لأمّها:
أرأيتِ يا أماه، ها هو الشتاء يطرق أبوابنا، ولم يحصل شيءٌ مما قلتِ.
قالت العجوز وهي تقاوم شعورَ البرد:
ستكون كارثة يا بنيّتي إذا لم يحصل ما توقّعناه.
كنتُ أدركُ هذا يا أمي.
طأطأت الأم وقالت بحزن:
بل سيحصل أحدُ الأمرَين، سوف أموتُ من البرد.
قالت فاطمة:
أطال الله عمرك يا أمي.
قالت الأم وكأنها اكتشفت حلًّا للمشكلة:
سنطوف على جيراننا ونطلب منهم المساعدة، وإذا منَحَنَا كلُّ جارٍ قليلًا من الحطب سيتكوّم لدينا ما يسدُّ حاجتنا.
لكن يا أمي، جيراننا تعبوا كثيرًا في جمع الحطب.
قالت الأم مستاءةً:
ماذا نفعل إذًا؟ أنموت من البرد؟
ابتسمت فاطمة وقالت:
لا يا أمي، عليك أنْ تثقي بصغيرتك، فالأبناء أيضًا يحسّون بالمسؤولية.
فَغَرَت الأمُّ فاها وقالت بدهشة:
ماذا تخبئين يا فاطمة؟
هناك مفاجأة سارَّة لك يا أماه.
خرجت فاطمة لتحضر الحطبَ المخبَّأ، وهي تمتلئ سعادة وحيوية، إذ أنها ستنقذ أمها من ورطة كبيرة، لكنّها حين اقتربت من الركن الذي خبأت فيه الحطب تفاجأت أنَّ كلّ الحطب المخزّن قد سُرق، ولم يترك اللصوص سوى عيدانٍ رفيعة لا تنفع في شيء.
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: شتاءُ القلوب الدافئة (5) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
دخلت فاطمة إلى الكوخ وهي تبكي.
قالت الأم:
ماذا أصابكِ يا فاطمة؟ أين المفاجأة؟
قالت فاطمة وهي تبكي:
لقد سُرق كلُّ الحطب الذي جمعتُه.
قالت الأم في دهشة:
حقًّا إنها مفاجأة، ومتى جمعتِ الحطب؟
حكَت فاطمة لأمها كيف كانت تخرج مع رفيقاتها إلى جمع الحطب، وراحت أمُّها تلومها وهي ترتعش من البرد الشديد، ثم رمت بنفسها في حضن أمها وهي تبكي وتقول:
لا أحد يعلم ماذا سيحدث في المستقبل.
وحلَّ الشتاء مثقلًا بالمطر والثلج والبرد القارس، وفرح الناسُ بما جمعوا من الحطب، وراحوا يوقدون النار ويجلسون حولها، وفرح الأطفال بدفء النار وهم يستمتعون بالحكايات الجميلة، ويعجبون بالمثل الذي يسمعونه كل ليلة: "النار فاكهة الشتاء".
كانت فاطمة تسعى لجمع حطب مِنْ هنا وهناك كي تحمي أمّها العجوز من قسوة الشتاء، لكن اليأس بدأ يتسلل إلى قلبها. لا بد أن تفعل شيئًا.
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: شتاءُ القلوب الدافئة (5) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
وذات صباح خرجت فاطمة رغم البرد القارس وتوجهت إلى الجبل، وتذكرت ذلك المكان الذي دلّ عليه ذلك الشاب الطيب وراحت تجمع بقايا الحطب. نعم لم يكن هناك كمية كافية، لذلك قررت العودة يائسةً، عندما بدأت تغادر المكان شعرت أن هناك من يراقبها ويلاحقها، لذلك فقد أسرعت خطواتها نحو القرية.
قالت لأمها وهي تضع الحطب أمامها:
لن أعود إلى الجبل وحدي يا أمي، خفت كثيرًا، شعرت أن هناك من يلاحقني.
ضمتها العجوز وهي تحاول أن تدفئها:
لا تعودي البتة، ألا ترين جسمك المتجمد؟!
أجابتها فاطمة مرتعشةً:
لم أعبأ بالبرد يا أمي، لكني ارتعبت لدى سماع صوت خلفي، وشعرت أن أحدًا ما يلاحقني.
قالت أمها وقد توسعت عيناها:
حذارِ يا فاطمة أن تذهبي إلى هناك ثانيةً!
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: شتاءُ القلوب الدافئة (5) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
كانت كمية الحطب كافية ليوم أو يومين على الأكثر، لذلك فقد كانت فاطمة مترددة كثيرًا، هل تتجرأ وتعود لجمع الحطب؟ ستذهب إلى الجبل وحدها، فرفيقاتها لسن بحاجة إلى ذلك، أم تستسلم لخوفها، وتقعد إلى جانب أمها التي بدأت تسعل.
نامت فاطمة في حضن أمها وهي لم تتخذ قرارها، وبدأت تحلم بكلام أمها المتفائلة.
وفي الصباح استيقظت على طرقات الباب، نهضت من الفراش لترى من الطارق، بينما كانت أمها تسعل بشدة.
وسرعان ما فتحت فاطمة الباب لتجد أمامها مفاجأة لم تخطر ببالها على الإطلاق.
صاحت العجوز وهي تنظر إلى الضيف:
منْ أنت أيها الشاب؟
قالت فاطمة:
إنه شابٌ طيب من البلدة المجاورة، دلنا على مكان الحطب الذي سرق.
كان الشاب الطيب يحمل كيسًا كبيرًا من الحطب، وضعه عند الباب، وهو يقول:
لقد وجدتك البارحة تجمعين الحطب، ولم تظفري بشيءٍ ذي بال، راقبتكِ من بعيد، علمت أنكِ بحاجة إلى المزيد، ولم يعد في الجبل ما يكفي. فأحضرتُ لكِ كيسًا كبيرًا، سيكفيكما لعدة أيام، لا تيأسي سوف أجلب لكم ما تحتاجونه طوال فصل الشتاء.
انفرجت أساريرُ فاطمة، وراحت تشكر الشاب اللطيف، وتثني عليه حبّه للخير.
لكنّ الشاب كان يخطط لأمر آخر.
لقد عاد بعد أسبوع وفي يده كيس آخر، لكنه كان برفقة أمه.
قالت أمه:
إن ولدي كان يبحث دائمًا عن فتاة تتحمل المسؤولية، وتعرف كيف تتصرف في أحلك الظروف.
قالت فاطمة:
لكني لن أترك أمي وحيدة.
قال الشاب مبتسمًا:
إذًا بإمكانها أن ترافقكِ وتعيش معنا، فلدينا الكثير من الحطب.
قالت العجوز:
ومن يدري يا بنيّ، فقد أموت قبل أنْ أصل إلى البلدة المجاورة.
قالت فاطمة وهي تبتسم:
لا أحد يعلم...
قاطعتها العجوز:
ماذا سيحدث في المستقبل؟
ضحكت فاطمة، وأمسكت بيد أمها وقالت:
سأظل أحسب حسابًا لكل طارئ، وأخطط للأمور ولا أنتظر المفاجآت.
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: شتاءُ القلوب الدافئة (5) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
---------------------------------------------
لقراءة باقي قصص المجموعة القصصية: شتاء القلوب الدافئة
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتب: عماد كوسا يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: عماد كوسا وقصص الأطفال وقصص اليافعين.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم النشر بطلب من كاتب القصة: أ. عماد كوسا.
-------------------------------------