من مقالات تربية الطفل:
الْبطل الْخارق الْعربيّ
للكاتب: أحمد بنسعيد
الجميع لاحظ ولع أطفالنا بالبطل الخارق (سوبرمان) (سبايدر مان) (بات مان) (تُورْتو نينجا)... وكلهم يمتلكون قوى خارقة تمكنهم من التحوّل والطيران والقفز وخرق الجبال ونحو ذلك...
الكثير من المداد سال حول موضوع مخالفة هذا البطل الخارق لقيمنا وتقاليدنا... ولكن التفكير في إحداث بطل خارق عربي منسجم مع بيئتنا وحضارتنا كان محدودًا جدًا...
كُتب البطل الخارق كلها مترجمة كعادتنا مع كتب الأطفال وحركة الترجمة هنا على أشدّها... وترى أطفالنا ببراءتهم يمثلون ما يقرؤونه وما يرونه على الشاشات:
طاخ... طاق... بوم... تشاخ...
قيل لي أن رجلًا في فرنسا أهدى ابنه لباس (سوبر مان) في ليلة عيد ميلاده لكي يُدخل السعادة في قلبه، وإذا بالطفل بعد أن لبس اللباس، يرمي بنفسه من السطح ظانًا منه أنه سيطير مثل (سوبر مان). وتحوّل عيد الميلاد لجنازة وعويل...
حكايات تركز على القتال والصراع والغلبة للأقوى، وتُشعر الطفل بالإحباط... لأنه في واقعه ضعيف لا يستطيع أن يأتي بمثل ما يأتي به بطله الْمفضّل... فيفقد الثقة في نفسه وفي قدراته... وربما غطس ليلًا في أحلامه يطير ويكسّر ويدمّر... ويحمل نزعات العنف، ويتهيّأ للانحراف، كما حدث بالفعل لمجرمين تربّوا على لعبة (فري فاير)... ضف لذلك أن هذه الحكايات تنسب الكذب والتزوير والخداع... للأبطال وتعتبرها من عناصر البطولة والتفوق والمهارة...
قد تملأ القصص المترجمة فراغًا في مكتبة الطفل، وتبهرنا بجودة ورقها وبراعة ألوانها وأشكالها... ولكنها كذلك تحمل رؤى وأفكارًا وقيمًا تختلف جذريًا عن التي عندنا، ففي عدد من المجتمعات الغربية أصبح الشذوذ الجنسي (ذكر/ذكر – أنثى/أنثى) مسألة رسمية، والفتاة التي ليس لها عشيق تعتبر معقّدة وربما عُرضت على طبيب نفسيّ... مجتمعات ديدنها البحث عن اللذة؛ تعيش يحمومًا جنسيًا، يظهر ذلك جليًا من خلال مشاهد القصص المصور أو الكومكس التي يتصفحها أطفالنا، ولقد تفشّى الأمر ليصيب بناتنا وأبنائنا من لأوائه عبر نقرات النت السهلة... بينما نعيش نحن –ولله الحمد- طمأنينة الْقيَم وراحة التوازن النفسي، والاحترام المتبادَل ... التي وجب أن نحافظ عليها بكل ما أوتينا من قوة... حتى لا تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات دوابيّة بهيمية...
البطل الخارق العربي هو الذي له رؤية متوازنة للحياة والكون والإنسان... ويعطي كل ذي حق حقه: للأخلاق حقها، للروحيات حقها، للماديات حقها، للعقليات حقها... مرفرفًا في عالم الفنّ والجمال واللغة والمشهد البسيط الواضح الأخاذ اللامباشر... يلامس بدوره اهتمامات الأطفال واحتياجاتهم ومستويات إدراكهم... لا يُثقل كاهل الأطفال بوعظه ومباشرته... فللوعظ منابره الخاصة به...
ويبقى الحلّ المؤقت في عصر التحديات هذا؛ إلحاح حضور الأسرة ومتابعتها بطريقة فنية غير مباشرة لما يقرأ الطفل ويشاهد، وفتح باب التحاور حول ذلك، وتنقية الصالح من الطالح... في سلم أولويات تنشئة جيل سليم. لأنه ليس أمام الأسرة في ظل ضعف حضور المبدع العربي للأطفال سوى هذا الطريق، وأما منع الأطفال من الاطلاع على أبطاله الخارقين الذين يُسعدونه ويبهجونه فهذا ضرب من الخيال والمدينة الفاضلة لأفلاطون...
لنفرض فرضًا -محالًا- أننا منعناها عن الأطفال (خاصة في الطفولة المبكرة) بماذا سنعوضهم يا ترى؟...
أنا عن نفسي أجلس إلى ولدي ذي 4 سنوات وأسأله: ولدي احك لي ماذا تشاهد؟ ماذا يفعل هذا؟ ماذا يقول ذاك؟... وينطلق يشرح لي الذي يشاهده بكل تلقائية... من خلال ذلك يكتسب هو لغة تفهيم الآخرين، وترجمة ما يشاهده للغة وكلمات مفهومة... وهي فرصة أمامي لتعديل ما يمكن تعديله... بطرق بسيطة وغير مباشرة...
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتب: أحمد بنسعيد، وللمزيد من المقالات الأدبية والتربوية يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: مقالات تربية الطفل ومقالات أدب الطفل.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم نشر المقال بطلب من كاتبه: أ. أحمد بنسعيد.
-------------------------------------