من قصص الأطفال:
قصة: حَمْرُوش
تأليف: مالك الشويّخ
تدقيق لغوي: د. علياء الداية
|
(1)
تناول خالد فطور الصّباح على عجلٍ، نَهَتْه أمُّه عن ذلك، فلم يبال بكلامها وخرج مسرعا متّجهًا إلى مدرسته. أمّا أخته سارّة فبقيت بجوار أمّها فهي تدرس بعد الظّهر. سكبت الأمّ من العلبة حليبًا في إناء نظيف لتطعم القطّ ونادتْه:
لم تسمعْ مواءهُ الصباحيَّ. فأعادتْ النداء دون جدوى. استغربت ونادتْ سارّة وسألتها عنه فأجابتها بدون اكتراث: ً
ــ دعْك منه، سنجده. وواصلتْ الأمّ نداءها.
حمروش قطّ مدلَّلٌ، تدعوه فيسرع إليها ويتمسّح برجليْها، هو قطّ صغير أبيضُ اللّون مزيّن ببقع حمراء، وكان شَرِهًا، يأكل كلّ ما يقدَّمُ إليه ويطلُبُ المزيدَ، فأصبح طوله مثل عرضه. الجميع يحبّ حمروش حتّى سارّة تحبّه وإن تظاهرتْ بكره القططِ، ولكنّ خالدًا يعشقه ويحمله في حضنه ويمسح وبره النّاعم فيعضّه القطّ عضّا ناعمًا ويقبّله ثمّ يعبّر عن سعادته وحبّه لخالد: "مر.. مر.." وإذا تركه فإنّه ينقلبُ على ظهره ويتمرّغُ.
وصاحتْ الأمّ:
ــ لم أجد القطّ، لقد اختفى!
(2)
دقّ جرس الدخول فاصطفّ التلاميذ أمام القسم ودخلوا في نظامٍ وبدأ الدّرس. كان خالد يرفع إصبعه بهمّة ونشاط ويشارك في الإجابة عن أسئلة المعلّم، وارتفع صوتُ المعلّم عاليًا جهوريًا ممهّدا لدرس علم الحياة عن الحيوانات الأليفة، طلب منهم في الحصّة الماضية أن ينجزوا ملفّات عن هذه الحيوانات، ودعاهم إلى الاستعانة بالشبكة العنكبوتية كما كان يسمّيها.
دبّ النشاط في القسم عندما دعاهم إلى عرض ما جمعوه من معلومات فسارعوا إلى محافظهم وفتحوا الملفّات وبدأ بعضهم بعرض الصّور، أمّا خالد فبقي في مكانه صامتًا لا يحرّك ساكنًا، نظر إليه زملاؤه نظرةً اختلطتْ فيها الحيرةُ بالسخرية والشفقة، يبدو أنّه لم يجمعَ معلوماتٍ عن الحيوانات الأليفة، سيدّعي المرض كما يفعل الكثيرون دائمًا.
امتلأ القسم بصور الكلاب والقطط والطيور والخرفان والسّلاحف، حتى الفئران احتلّت مكانًا على السبّورة، وقالت فاتن مازحة: "قد يفترسُ قطُّ هاني فأرَ عزيز." وابتسمتْ صديقتها مودّة وهي تتمالك نفسها حتّى لا تنفجر ضاحكة لتعليقات صديقتها فاتن.
(3)
طلب المعلّم من التلاميذ أن يلزموا الهدوء ويعودوا إلى أماكنهم ففعلوا مستبشرين بما أنجزوا من عمل، وعمّ الصمتُ والهدوء ولكنّهم سمعوا خربشة لم يتبيّنوا مصدرها وأخذوا يتبادلون النظراتِ، وقالتْ فاتن لزميلتها: "سمعتُ
صوتًا غريبًا"، أمّا المعلّمُ فقد انشغل بالكتابة على السبّورة ولم يولِ الأمر أيّ اهتمامٍ.
فجأة رأى التلاميذُ حيوانًا صغيرًا يجري بين المقاعد في خوف، ثمّ اختبأ وراء خزانة تُحفَظ فيها الكراسات والكتب والأدوات الهندسية. ضجّ التلاميذُ ووقف بعضهم فوق المقاعد، وانتبه المعلّم متعجّبًا وتساءل: ماذا حدث؟ ولكنّه لم يظفرْ بجوابٍ شافٍ.
أصابتْ خالدًا حالةٌ من الذّهول، لقد تسرّع حمروش ولم ينتظر أن يشارك في الدّرس كما أراد خالد، وخرج دون استئذان وفاجأ الجميع بحماقته. لم تطل حالة الفوضى فقد توجّهت إليه الأنظار وضحك البعض وهم ينظرون إلى الكيس
الملقى بجوار مقعده.
طلب المعلّم من خالد أن يتوجّه إلى السبّورة، فخرج وهو يجرّ قدميه جرّا على غير عادته واستَفْسرهُ المعلّم عمّا حدث فأشارَ إلى المكان الذي اختبأ فيه حمروش دون أن ينطق بحرف واحد فقد احتبس الكلام، ولمْ يعد قادرًا على نطقِ الحروف والكلمات.
كان التلاميذُ ينتظرون ما سيقوله المعلّم وما سيسلّطه من عقوبة على زميلهم خالد. فلم يحدثْ أنْ جلبَ أحدهم حيوانًا إلى المدرسة. يبدو القطُّ صغيرًا رغم أنّ أكثرهم لم ير إلاّ خيالاً مرّ بين المقاعد ليختفيَ في مكان ما في القسمِ.
سأل المعلّم: ماذا فعلتَ يا خالد؟
ــ سيّدي.. سيّدي.. وانفجر خالد باكيًا وانحدرتْ الدموعُ على خدّيه مدرارة.
ــ اِهدأْ يا خالد امسحْ دموعَك.. ما الذي جئتَ به إلى القسم؟
ــ حمروش.
انفجر التلاميذُ ضاحكين، فقال المعلّم:
ــ من حمروش؟
وقال خالد متردّدا: "إنّه قطّي، أتيتُ به.. أتيتُ به.."
ــ لماذا أتيتَ به؟
مسح خالد دموعه بكلتا يديه واستجمع شجاعته وقال:
" أتيتُ به لأشارك في الدّرس، إنّه حيوان أليفٌ.."
ابتسم المعلّم ثمّ سأله:
ــ هل تحبُّه؟
ــ أجل، أحبّه كثيرًا وهو يبادلني الحبّ نفسه.
ــ جميلٌ جدّا جميلٌ أن نحبَّ الحيواناتِ الأليفة ونتّخذها صديقًا لنا، هل تقرّب هذا القطّ منك يا خالد؟
ــ نعم يا سيّدي أحتضنه وأقبّلهُ وينامُ معي.
ــ هل قمت بالتلاقيح التي تحميه وتحميك من الأمراضِ؟
ــ لا.. لم أفعلْ، سأطلبُ ذلك من أبي.. هو قطّ يا سيّدي، ولن يذهبَ إلى المدرسة.
ابتسم المعلّم وقال: "ولكنّه جاء إلى المدرسة لطلب العلم والمعرفة."
ضحك التلاميذُ منشرحين فأردف المعلّم قائلًا:
ــ لقد أراد خالد أن يشارك معنا في الدّرس فجاء بهذا القطّ الصّغير إلى المدرسة، هل يستحقّ خالد منّا الشكر؟
وقال التلاميذ بصوت واحد: شكرًا.. شكرًا..
واصل المعلّم مخاطبًا خالدًا:
ــ في نهاية الحصّة اِحملْ قطّك، ولا تنسَ أن تأخذَه للتّطعيم ضدّ الأمراض.
وتوجّه المعلّم إلى التلاميذ قائلًا:
"الحيواناتُ الأليفة هي نِعْمَ الأنيس، وعلينا أن نعتني بها ونعاملها برفق وعلينا كذلك أنْ نحتاطَ كثيرا فنأخذها للتطعيم ضدّ الأمراض والجراثيم المضرّة."
(4)
انتهتْ الحصّةُ فحمل خالد القطّ الخائف الّذي لم يغادر مكانه، ربّت على رأسه ومسح فروه ثمّ وضعه بلطف في الكيس الورقي أمام نظرات التلاميذ المتطلّعة، وفور عودته إلى البيتِ، أطلقَ سراحه فأخذَ حمروش يموء فرحًا بنجاته، وأسرعتْ الأمُّ وسارّة إليه متلّهفتيـْن وأمطرتا خالدًا بوابلٍ من الأسئلة، فقال وكأنّه يخاطب نفسه:
ــ لقد أخذته معي إلى المدرسة لطلب العلم والمعرفة، ويجبُ أنْ أحمله للتطعيم ضدّ الأمراض.
انتهت 23 جوان 2021
---------------------------------------------