من قصص اليافعين - قصة: آلشَّمْسُ خَلْفَ آلرَّبْوَة - تأليف: سعيدة الزّارعي- تونس - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
تحثّ الخطى مبتعدة عن المنزل، تقف للحظات وتمدّ وجهها لنسيمات باردة، تنتعش وتحثّ الخطى مجدّدا فوق عشب مبلّل بقطرات النّدى.
أشعّة الشّمس تتسلّل من خلف ربوة لا تبعد كثيرا عن مقرّ سكناها، لطالما أحبّت هذا المشهد، الشّمس وهي تشرق رويدا، رويدا من خلف الرّبوة.
في هذه اللّحظة تنسى كلّ شيء، محفظتها البالية، حذاءها المثقوب، كوخهم المتداعي، وكلّ تلك النّقائص!!
ظهور النّور بعد العتمة، الإشراق بعد الأفول، أَوَ لَيْسَ هذا ما تتمنّاه !! أن تستطيع يوما ما أن تمنح والدها المريض وأمّها التي أنهكها العمل المضني في صنع الخبز وبيعه على الطّريق للمارّين المسرعين بسيّاراتهم الفارهة حياة كريمة تليق بهما. وأن تكون مصدر فخر لهما.
تسرع الخطى نحو تلك المدرسة النّائية بأقسامها القليلة المتصدّعة جدرانها، الزّاحفة إليها الرّطوبة، ولا سور يحميها من الكلاب الضّالّة!!
من قصص اليافعين - قصة: آلشَّمْسُ خَلْفَ آلرَّبْوَة - تأليف: سعيدة الزّارعي- تونس - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
لكن هناك الكثير من الدّفء في وجه معلّمها "ناجي". هو يستقبلهم كلّ يوم اِستقبال ضيف عزيز، يسألهم عن أحوالهم ويستمع إلى أحاديثهم بابتسامة ودودة، ويتقاسم معهم الطّعام، ويجفّف معاطفهم ومحافظهم المبلّلة بماء المطر!!
معلّمها "ناجي" نقطة مضيئة في عالمها القاسي. تجده مصدر إلهام وباعثا للأمل.
تحدّث نفسها ستصبح معلّمة أسوة به.
تكمل طريقها وهي تجدّد طموحاتها لغد أفضل، ستمرّ بعد قليل بالوادي. في هذا الوقت من السّنة يصبح المرور عبره خطيرا، فرغم أنّ مستوى المياه فيه ضئيل إلاّ أنّه بعد يوم ماطر قد يَحْمِلُ فجأة وتأخذ المياه معها الأخضر واليابس!!
أصبح الجوّ أكثر برودة، غطّت الغيوم كلّ أشعّة الشّمس فلم تجد منفذا للتّسلّل. نزلت زخّات مطر لها وقع ثقيل. تسمّرت "مها " في مكانها تلتفت باحثة عن مكان تحتمي فيه من المطر، الأرض حولها فضاء فسيح، لا أشجار، ولا منازل!!
ستحاول الوصول إلى المدرسة بأسرع ما يمكن. بلغت الوادي ومرّت فوق جسر بسيط من جذوع الأشجار. زلّت قدمها فسقطت. حاولت الصّعود فاشتدّ هطول المطر. الأرض تحتها أصبحت زلقة، تحوّلت إلى طين، كلّما حاولت الصّعود، كانت قدماها تغوصان أكثر !! تشبّثت بنبات على حافة الوادي ولكنّه لم يكن قويّا كفاية فانزلقت أعواده الغضّة من بين يديها لتجد نفسها ملقاة في قعر الوادي.
من قصص اليافعين - قصة: آلشَّمْسُ خَلْفَ آلرَّبْوَة - تأليف: سعيدة الزّارعي- تونس - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
فجأة يأتي السّيل، أمواج هادرة تسرع نحوها تحمل في طريقها الحجارة والأخشاب وكلّ ما يعترض سبيلها. حاولت الوقوف ولكنّ تيّار المياه حملها معه.
كانت تقاوم، تصرخ، تبتلع الماء، تتشبّث دون جدوى. كان السّيل أقوى منها وحملها بلا مبالاة!!
كانت الحصّة قد بدأت الكلّ وصل ما عداها.
"مها" لم تحضر بعد. كان مكانها شاغرا.
لم يستطع المعلّم "ناجي" أن يكمل الدّرس!!
عادة هو يسأل وهي تجيب ويمرّ الدّرس حيويّا في حضورها.
الوقت يمرّ ثقيلا، المعلّم "ناجي" يمدّ بصره كلّ حين خارج القسم، علّها تأتي!!
هو يعلم ما يعانيه الأطفال لبلوغهم المدرسة، المسافة الطّويلة وأهوال الطّبيعة!!
من قصص اليافعين - قصة: آلشَّمْسُ خَلْفَ آلرَّبْوَة - تأليف: سعيدة الزّارعي- تونس - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
طلب المعلّم من التّلاميذ أن يمكثوا في أماكنهم وأن لا يغادروا المدرسة وانطلق دون تردّد متدثّرا بمعطفه يبحث عن "مها" وقد حدّثه قلبه أنّ مكروها قد حدث لها. بلغ الوادي ورأى المياه الهادرة. سار على حافته يمعن النّظر. سار مسافة طويلة ولكن لا أثر لها !! همّ أن يعود أدراجه يائسا ولكن في اللّحظة الأخيرة، لمح شيئا ورديّ اللّون. إنّها ميدعة "مها"!!
وجد المعلّم تلميذته متشبّثة بصخرة، تكاد تغمرها المياه، ترتجف من البرد وشفتاها ترتعشان. ناداها: "مها، مها ".... اِلتفتت إليه وبدا لها مثلما كان دائما مصدر الإلهام وطوق النّجاة!!
مدّ ذراعه لها فتشبّثت به، وعاد بها إلى المدرسة. كان يوما شاقّا لكليهما.
نسي "ناجي" الدّرس تماما، أصبح كلّ همّه أن يُدفأ الأطفال، أن يُطعم الجياع، أن يسأل عن أحوالهم.
أن يوفّر لهم ملابس لائقة، محافظ وكتبا وكراريسَ وأقلاما، وسلاما وأمانا يصحبهم في دروب النّور وطريق المعرفة.
من قصص اليافعين - قصة: آلشَّمْسُ خَلْفَ آلرَّبْوَة - تأليف: سعيدة الزّارعي- تونس - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتبة: سعيدة الزّارعي يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: سعيدة الزّارعي وقصص الأطفال وقصص اليافعين.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم النشر بطلب من كاتبة القصة: أ. سعيدة الزّارعي.
-------------------------------------