- إنّ أدب الأطفال حديث جدًّا، بمقياس تاريخ الأدب عمومًا، وهو لم ينشأ ــ في صيغته المقروءة المعاصرة ــ إلّا منذ قرنين من الزّمن تقريبًا, ولا يعني ذلك أنّه لم يكن له وجود، ولكنّ الكتابة الأدبيّة المتخصّصة بالأطفال حديثة جدًّا وسبقها، الحكايات المنقولة شفاهًا عبر الأجيال. كما أنّ الأدب العربي غنيّ بأدب الأطفال ومنها: (كليلة ودمنة) لابن المقفع.
وبالنّسبة للعالم العربي فإن أدب الطّفل فيه يعاني الكثير من المشاكل منها: أنّ هذا الأدب دخل عالمنا العربي بعد عدّة قرون من انتشاره في الغرب، ولم يلقَ الدّعم الكافي لإنعاشه وربّما عزف عنه البعض ظنًّا منهم أنّه دليل ضعف لديهم، وقد يعود ذلك لعدم تقدير المجتمع لكاتب هذا الجنس الأدبيّ الصّعب جدًّا، فبالنّسبة لي أستغرق وقتًا طويلًا حتّى أنهي قصّة للأطفال أو أنشودة، بينما كتابة قصّة للكبار لا تأخذ الوقت ذاته، وكتابة القصيدة أحيانًا تكون ببضعة دقائق ولو كانت قصيدة نثر مليئة بالصّور.
وهناك أيضًا عائدات بيع الكتب في العالم العربيّ تعتبر هزيلة، لا تقارن ببيعها في دولة أوروبيّة واحدة, ولدينا مشكلة أنّ الكبار في العالم العربيّ لا يقرؤون فكيف سيكون الصّغار؟ انظر كم كتابًا يقرأه كلّ إنسان. في أوروبا مثًلا الملايين اشترت سلسلة (هاري بوتر) لو كتب الكتاب أديب عربيّ فهل كان سيلقى الاهتمام نفسه وستحظى كتبه بأرقام بيع خياليّة؟
ولا ننسى جودة الكتب، ومضامينها، فبعض ما ينشر لا نعلم كيف تسمح به الرقابة، كما أنّ الإخراج الفنّيّ للقصص قد لا يكون جذّابًا للطّفل حين تتبنّى النّشر مؤسّسات ثقافيّة عامّة، فمعظم القصص تصدر بإخراج بائس ورسوم عاديّة، وورق تكلفته بسيطة وغلاف لا يشجّع الطّفل على قراءته, وبالنّسبة لدور النشر الخاصّة يكون الإخراج بحلّة أجمل، لكن علينا ألّا ننسى أنّه لا همّ لها سوى الرّبح المادّيّ ولو لم تكن المادّة الأدبيّة جيّدة، أو مناسبة لتقديمها للطّفل.
وهناك أمر محزن أيضًا ألا وهو قلّة الدّراسات حول أدب الطّفل وكأنّ النّقد الأدبيّ فقط للشّعر والأجناس الأخرى, كما نعاني من مشكلة أنّ هناك بعض الكتب المترجمة لا تتناسب مع ثقافتنا، وبيئتنا، وعاداتنا، وقيمنا، وبعضها يبثّ ثقافة استعماريّة هدّامة خطيرة, كما تسهم قلّة التّرجمة من العربيّة إلى اللغات الأخرى بالحدّ من انتشار هذا الأدب، عدا عن سعر الكتاب الغالي الّذي لا يمكن لكثير من الأهل شراؤه بسبب صعوبة الحياة وغلاء الأسعار. هناك أيضًا تسييس الإعلام، والحروب الّتي حرمت الطّفل من الأمان ومن أبسط متطلّبات الحياة.
متى يقبل الطفل العربي على منتج يقدم له بلغته، هويته، ثقافته؟
- الأطفال بحاجة إلى أدب خاصّ بهم؛ لذا علينا العناية بهذا الجانب تأسّيًا بالدّول الأوربيّة، فكتب الطّفل تسهم في صناعة الثّقافة عند النّشء الصّغير لذا لا بدّ أن يكون الأدب المقدّم للطّفل أدبًا جيّدًا، فهو غذاء لعقله، وروحه لأنّ الأدب الرّديء يفسد عقل الطّفل. ومن المهمّ تعزيز القراءة عند الطّفل علينا أن نبسّط له الأسلوب، ونجعله محبّبًا ونقدّم المتعة، والفائدة، والحكمة، والموعظة، ويجب أن تكون هذه الكتب زاخرة بالخيال عبر قصصِ أبطالها الخياليّة التي تساعد الأطفال، وتزوّدهم بالقيم، والمثل النّبيلة، على هذا الأدب أن يستفيد من الفنون الحديثة، والرّسوم، والصّور ليجذب الطّفل ويحبّبه في القراءة ودخوله عوالمها الجميلة السّاحرة.