من المجموعات القصصية لليافعين:
قصة: البلبلُ الحيران (3)
من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة
تأليف: عماد كوسا
تدقيق: علياء بركة
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: البلبلُ الحيرانُ (3) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
أرادَ بلبلٌ أن يغيّر أنغامه، لم يقل له أحدٌ أن أنغامه عذبةٌ تبهج السامعين، ولم يصارحه أيُّ طائرٍ بأنه يتمنى لو أنه يملك مثل صوته الشجي العذب، ولم يدرك هو تلك النعمة التي يمتلكها، فمضى إلى الحمامةِ وقال لها:
أيتها الحمامةُ الزرقاءُ ألا تعطِيني هَديلك؟
أجابت الحمامة متعجبةً:
لكنَّ أنغامكَ عذبةٌ أيها البلبل، إنها أرقُّ من هديلي.
قال البلبلُ:
لقد مللتُ التغريد، وأكاد أكرههُ.
صاحت الحمامة:
لا يكادُ جمالُ غابتنا يكتمل إلا بأنغامك العذبة.
أجابها البلبل:
إنْ كنتِ ترينَ أنغامي جزءًا من جمال الطبيعة، فهي أيضًا جزءٌ من طائرٍ ضامر الخلقة لا تكاد تلحظه الأبصار.
وعبثًا حاولت الحمامة أن تُقنع البلبلَ بأنغامه، فنزلت عند رغبته ومنحتهُ هَديلها.
رَفرَفَ البلبلُ من غصنٍ إلى غصن، وهو يجرِّب هديلَ الحمامةِ الزرقاء، يظن نفسَهُ في ميلادٍ جديد.
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: البلبلُ الحيرانُ (3) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
استمرَّ البلبلُ يجرب الهديل مزهوًّا، وهو يتنقل من غصن إلى آخر حتى اجتمعت العصافير والشحاريرُ والحمائم والعنادل والسنونو والكروان، لتراقب كيف يمكن أنْ تتحوَّلَ أنغامُ بلبلٍ إلى هديلِ حمامة.
صاحت البومةُ العجوز:
أيّها البلبل! إنَّ هديلَ الحمامةِ لا يناسِبُكَ، فإنْ كنتَ تركتَ النَّغم الموسيقيَّ الذي وَهَبَهُ الخالقُ لك، فما عليك إلاّ أنْ تُكمل الشُّذوذَ الذي بدأته.
قال البلبل متأثرًا:
أعجبني هديلُ الحمامة، فالحمامة أكبر حجمًا ويراها الجميع، ويحبها الجميع.
صاحت البومةُ غاضبةً:
إذًا اذهب وقلِّد الغُراب، فنعيقهُ قد يناسبك، وحجم الغراب أكبر من حجم الحمامة.
أَجهَدَ البلبل نفسَه كثيرًا في تقليد الغراب، لكنَّه أدرك أنَّ النعيقَ صعبٌ على حنجرته الرقيقة، فعادَ إلى البومة وقال لها:
أيتها البومةُ الرائعة، إنَّ النَّعيقَ الغليظ لا يناسبُ قَدِّيَ الرَّشيق.
قالت البومة:
إذاً عليك بالصَّرير.
مَضى البلبلُ إلى صرَّار الليل واستعارَ صوته، لكنَّ صرَّار الليل قال له محذرًا:
إنَّ الناس هنا يبحثون عنّي في كلِّ مكان، لأنِّي أصِرُّ طوال الليل فلا يهنأون بنومهم.
لم يُدرك البلبل خُطورة الأمر، وأعجَبَه الصَّرير، فراحَ يزهو بصوته الجديد بين الطيور، وكادت بلابل أخرى تفعل مثلَه، لكنَّ شيئًا حَالَ دون ذلك، فقد راقب الناسُ مصدر الصَّرير، وعرفوا أن بلبلاً مجنوناً بدل الصرير بأنغامه العذبة.، فراحوا يطاردونه في كل مكان، حتى لجأ البلبل إلى عش البومة فاختبأ فيه وكفّ عن الصرير.
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: البلبلُ الحيرانُ (3) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
في صباح اليوم التالي، قالت البومة الحكيمة:
أيّها البلبلُ الحزين، أريد أن أعرف سبب قدومك إلى عُشّي، لماذا لم تلجأ إلى رفاقك البلابل؟
أجاب البلبل بصوت هادئ ملؤه الأسى:
لا يريدون رؤيتي، بل لا يعتبرونني بلبلًا مثلهم.
همهمت البومة ثم قالت:
إذًا عليك أن تعود إلى أنغامك وتصلح ما أفسدته.
أجاب البلبل:
لا أريد أن أعود إلى التغريد، قلت لكِ إني مللت التغريد وبتُّ أكرهه.
إذًا اختبئ هنا في هذا العش، إذا كنت ترى أن التغريد لا يليق بك.
وما كادت البومة تكمل كلامها حتى هبطت الحمامة الزرقاء وهي تصيح:
أيتها البومة، أيتها البومة، هناك أمرٌ عاجل.
اقتربت البومة منها وطلبت منها التكلم.
أيتها البومة، جاءت سيدةٌ ومعها طفلٌ صغير، تقول إنّ طفلها يعاني مرضًا أعجز الأطباء، ولا دواء له سوى سماع أنغام عذبة في جو يسوده الهدوء.
قالت البومة متحمسةً:
حسنًا، لا بد أن نساعد الطفل. وأنتِ أيتها الحمامة الطيبة، يمكن أن تساعدي الطفل؛ فهديلك جميلٌ عذب.
قالت الحمامة:
صحيح أن هديلي جميل، لكن الجميع يتفق على أن شدو البلبل أعذب.
من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: البلبلُ الحيرانُ (3) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
التفتت البومة إلى البلبل وقالت:
ألن تساعد الطفلَ أيّها البلبل؟ إنه مريضٌ ويحتاج إلى سماع أنغامك العذبة.
وسرعان ما اجتمعت الطيور على أغصان شجرة كبيرة، كانت الأم مع طفلها يجلسان في ظلها، وطلبت البومة من الجميع التزام الهدوء، بينما تقدم البلبل ليكون على مقربة من الطفل، وبدأ يشدو ويشدو، في جو يسوده الهدوء.
شعر البلبل أنه يشدو للمرة الأولى في حياته، كانت أنغامه تخرج كأنها أعذب سيمفونية عرفها تاريخ الطيور، كانت الأعناق تتمايل وتتماوج وتعلو وتنخفض، بينما كانت عينا الطفل تعلوان وتراقبان البلبل الجميل.
استمر البلبل يشدو حتى قام الطفل يتراقص أمام أمه، وبدأ يضحك، فامتزجت ضحكاته مع أنغام البلبل، فما عرفت الطيور أيّهما أعذب، أنغامُ البلبل أم ضحكاتُ الطفل.
شكرت الأم البلبلَ وهي تحضن طفلها، وسألت إن كان بإمكانهما العودة إلى أن يشفى طفلها تمامًا، ولبّى البلبل طلبها، ووعدها أنه سيشدو لطفلها حتى يشفى.
صفّق الجميع للبلبل وانحنَوا له إجلالًا، بينما اقتربت منه البومة وهمست في أذنه:
دائمًا هناك أسرارٌ أودعها الخالق في كل شيء نملكه.
---------------------------------------------
لقراءة باقي قصص المجموعة القصصية: شتاء القلوب الدافئة
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتب: عماد كوسا يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: عماد كوسا وقصص الأطفال وقصص اليافعين.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم النشر بطلب من كاتب القصة: أ. عماد كوسا.
-------------------------------------