من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: تحت ظلال البلشون (4) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة

القائمة الرئيسية

الصفحات

المجموعة القصصية (شتاء القلوب الدافئة) عماد كوسا تعديل المشاركة

من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: تحت ظلال البلشون (4) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة

30 يونيو 2021

من المجموعات القصصية لليافعين:

قصة: تحت ظلال البلشون (4)

من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة

تأليف: عماد كوسا

من المجموعات القصصية لليافعين - قصة: تحت ظلال البلشون (4) - تأليف: عماد كوسا - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - موقع (كيدزوون | Kidzooon)

صاحت العصفورة الدوريّة مذعورةً:

النجدة! لقد تهدّم عشي، لقد اختفت فراخي.

هرعت إليها بومةٌ عجوزٌ، وراقبت آثار الدمار الذي طال عش العصفور، حاولت أن تفهم شيئًا، وهي تتبع أثر القش وقشور البيض. ثم اقتربت من العصفورة وقالت متأثرةً:

أيتها الدُوريّة، هوني عليكِ ولا تجزعي سأخبركِ بما حدث.

كانت العُصفورة الدورية جميلةً تجذب أنظار الجميع برشاقتها، مقدامةً تنال إعجاب الجميع بتفانيها في الجد والعمل الدؤوب، كانت تعيشُ بأمانٍ وسلامٍ في عشٍّ صغيرٍ بَنَتْهُ فوق غصنِ زيتونةٍ ضخمة، وكانت لها فراخٌ صغيرةٌ تملأ العشَّ بهجةً ورِقّة. وكانت فراخُها هي غاية عيشها. وكان عشّها هو أجمل مكان تراهُ على الأرض.

لقد انطلقت اليوم منذ إشراقة الشمس كعادتِها؛ تبحث عن الطعام، فتنقلت من شجرةٍ إلى شجرة، ومن حقلٍ إلى آخرَ، حتى مَلأت بطنها الصغير من ديدانِ الأرض وحَبِّها، وجمعت لِصغارها ما يَسُدُّ رَمَقَهم، وعادت مسرعةً إلى موطنها.

حَطَّت العصفورةُ على شجرة الصنوبر الضخمة، جَالت بنظرها بين الأغصان المتشابكة، تسَلّلت بين الأوراق الإبرية، كأنّها تبحث عن شيء. لكنها عادت ترفرف في الجوِّ وهي تصيحُ بذعر:

النجدة! لقد تهدّم عشي، لقد اختفت فراخي.

قالت البومة متأثرةً:

أيتها العصفورة، يبدو من أثر الدمار أن صقرًا كبيرًا حطّ على هذا الغصن وأكل فراخكِ وخرّب عشكِ.

أمضت العصفورةُ أيامًا ولياليَ حزينةً على عُشها وفراخها، لكنها قرَّرت ألا تستسلم للبكاء، فهو لن يجدي نفعاً. كذلك نصحتها البومة العجوز قائلةً:

لن تستطيعي العيش في الغابة إذا استسلمتِ.

قالت العصفورة الحزينة:

ماذا يمكنني أن أفعل وقد تهدّم عشي واختفت فراخي؟

أجابتها البومة:

إنَّ الحياة لم تنتهِ وعليكِ المحاولة من جديد.

وبدأت العصفورة تعملُ بِجدٍ ونشاط، لتبنيَ عُشها مُجَدداً.

وراحت تجمعُ القشَّ وتُكوِّمه على غصنِ شجرةٍ أخرى، وتجمعُ بينهُ كما يجمعُ أمهرُ البنَّائين بين الحجارة ليبني قصراً بديعاً.

ولم تمضِ إلا أيامٌ قلائل حتى ملأت عُشَّها الجديد بالبيوض الصغيرة، وراحت تلمْلِم القَشَّ كي تغطي به بيوضها.

ولأن الجو حارٌ، فستفقس بيوضها سريعًا، وستفرح بفراخها الجديدة، ما عليها الآن إلا أن تفكر في حمايتها من كل عدو محتمل. لذلك فقد توجهت إلى البومة وقالت لها:

أيتها البومة، أنا أنتظر أن تفقس البيوض عن فراخي الجديدة، لكني أخشى أن أذوق من نفس الكأس.

اقتربت منها البومة وهمست في أذنها:

راقبي عشك على الدوام، ولا تبتعدي كثيرًا عن فراخك.

هُرعت العصفورة سريعًا إلى عشّها، وما أن اقتربت منه حتى رأت طائراً ضخماً يحطُّ على الشجرة؛ ويحَطِّم عشّها ويكسرُ بيوضها.

حلّقت العصفورة المسكينة وهي تصيح بذعر:

النجدة! النجدة!

كانت الطيور تراقب من بعيد ولا تدري ماذا تفعل. لم يكن هناك من يود مشاركة العصفورة في همّها، كلٌ طائرٍ كان يخشى على عشه، لذا فقد حلّقت العصفورة طويلًا، وصاحت كثيرًا دون أن يدنو منها أحد. فوقعت على عش البومة وراحت تبكي أمامها.

نصحتها البومة ألا تبني عشها على الأغصان العالية.

فكرت العصفورة بالأمر، ثم قالت للبومة:

إنك على حق، سوف أبني عشي عند جذع شجرة السرو الكبيرة.

تركت العصفورة أغصان الصنوبر، وراحت تبني عشها عند جذع شجرة السرو الضخمة، لن تستطيع العقبان والصقور رؤية عشها، ستكون بأمان تحت أغصان السرو الكثيفة، وفي ظلالها.

قالت للبومة وهي تحسّ بمزيد من الأمان:

لقد بنيت عشي في مكان آمن، وملأته بالبيوض التي ستفقس قريبًا أيتها البومة.

أجابتها البومة:

أنا سعيدةٌ لأنكِ لا تيأسين، ودائمًا تحاولين من جديد.

لكن العصفورة المسكينة ما إن عادت إلى عشها حتى وجدت الثعابين قد التفت حول عشها وهي تلتهم بيوضها وتبعثر عشها.

حاولت العصفورة مرارًا وتكرارًا أن تنجح في بناء عشٍ آمن، تسلَّلت بين أكداسِ الصخور، وبين جذوع الأشجار، وفي الكهوف وعلى قمم الجبال. لكنها كانت دائمًا تواجه عدوًا أقوى منها.

رفرفت حائرةً، وكادت تستسلم لليأس.

مضت إلى البومة الحكيمة، وراحت تبكي بين يديها.

قالت لها البومة بحزم:

لا تيأسي أيتها العصفورة، عليك المحاولة من جديد.

زارت العصفورة صديقتها الحمامةَ الزرقاءَ، ومرَّت على البلبلة الذهبية، وحطَّت عند الشحارير، تحكي لهم قصتها وتستشيرهم في أمرها، لكن دون جدوى.

وكادت أن تستسلم لولا أنها تذكرت الهدهد الذكي، فتوجهت إليه في الحال، وعندما حطت عنده وجدت عددًا من عصافير الدوري التي تشبهها، كانت العصافير تشكو للهدهد ذات الأمر مع كثيرٍ من الدموع.

كانت إحدى العصافير تقول للهدهد:

كاد صقرٌ غاضب يفترسني بعد أن التهم جميع فراخي.

صاحت عصفورة أخرى:

وأنا أيضًا نجوت بأعجوبة من باشقٍ له براثن طويلة.

قال الهدهد متأسفًا:

لا أدري كيف يمكن مواجهة هذه الطيور الشرسة، لكني سأفعل ما بوسعي لمساعدتكم أيتها العصافير الجميلة.

بزغ في قلوب العصافير وميض أمل فاقتربت أكثر من الهدهد، بينما رفع الهدهد رأسه وحرك عرفه وهو يقول:

لا بد أن هناك عصافير أخرى تعاني نفس الأمر.

أجابت العصافير بصوت واحد:

نعم، لا بد أن العصافير جميعها تعاني شر هذه الطيور.

فكر الهدهد قليلًا، ثم قال:

هيا بنا نمضي إلى مالك الحزين ونستشيره في الأمر.

انطلقت العصافير برفقة الهدهد إلى مالك الحزين الذي كان يتجول قرب البحيرة.

كان الهدهد متأكدًا أن مالك الحزين لديه الحل، لذلك فقد راح يقصّ مشكلة العصافير وكأنها مشكلته الشخصية. أما مالك الحزين فقد كان يستمع بهدوء ويهز رأسه بمنقاره الطويل، وهو يرنو إلى العصافير الحزينة.

ولما انتهى الهدهد من كلامه التفت مالك الحزين إلى البحيرة ونادى مجموعة أخرى من طيور مالك الحزين سوداء اللون، وسرعان ما تجمعت والتفّت حول بعضها البعض. حينذاك طلب مالك الحزين من الجميع التوجه إلى الشجرة الأم.

حلقت طيور مالك الحزين في سرب واحد تتبعها العصافير برفقة الهدهد، حتى حطت جميعها على شجرة ضخمة لا تبعد كثيرًا عن البحيرة.

قال مالك الحزين للعصافير:

الآن أنظروا إلى الأعشاش الموجودة على أغصان هذه الشجرة.

تلفتت العصافير حولها لتجد الكثير من الأعشاش الكبيرة المتجاورة دون أن تفهم قصد مالك الحزين.

رفع مالك الحزين رأسه مخاطبًا الجميع:

إننا جميعًا نعيش هنا على هذه الشجرة كأسرةٍ واحدة، نحن طيور البلشون، أعشاشنا متجاورة، نحمي بعضنا البعض، ونتكاتف مع بعضنا البعض، نمضي في الصباح الباكر إلى البحيرة لصيد الضفادع، نتقاسم ما نصطاده فيما بيننا. وحينما تجفُّ المياه نُطأطئ رؤوسنا وننتظر المطر، دون أن نفكر بمغادرة أعشاشنا. نبتعد أميالًا عن عشنا، لكننا نعود في النهاية.