كانَ الجَوُّ جَميلاً مُبْهِجًا وَسَطَ الحُقولِ الخَضْرَاءِ اليَانِعَةِ. كانَتِ الحَمَامَةُ تَطِيرُ كَعَادَتِها بَحْثاً عَنِ الرِّزْقِ، عَطِشَتْ وَقَدْ أَجْهَدَهَا الطّيران فتوقّفت تَسْتَريحُ قَليلًا، هبطت علَى الأَرْضِ بَيْنَ النَّباتاتِ المُثْمِرَةِ لتَتَناوَلَ بَعْضَ البُذورِ الطّازِجَةِ وتشربَ.
وَهْيَ عَلَى ذَلِكَ الحَالِ، ظَهَرَ ثُعْبانٌ فَجْأَةً وَأَخَذَ يَتَّجِهُ نَحْوَها بِبُطْءٍ شَديدٍ، لَمَحَتْهُ الحَمَامَةُ فَهَمَّتْ بِالطَّيرَان، عِندها وَقَفَ علَى ذيله يَبْكِي قائلًا: أيَّتُها الحَمَامَةُ أَرْجوكِ، اسْمَعي كَلماتي و لا تَخافي لقد اشتدَّ بي المرض، وأَحْتاجُ لِبَعْضِ الأَدْوِيَةِ، ولا يُوجَدُ غَيْرُكِ يحضر العِلاجِ لي.
قَالَتِ الحَمَامَةُ: وهَلْ يُوفِي ثُعْبانٌ بِوَعْدِه مَعَ حَمَامَةٍ؟ إنَّهُ لَمِنْ رَابِعِ المُسْتَحيلاتِ أنْ أثِقَ في كَلامِكَ أوْ أنْ أَسْتَجيبَ لَكَ. | من قصص الأطفال - قصة: الحمامة والثعبان- تأليف: شاكر صبري - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
|
|
قالَ الثُّعْبانُ: صَدِّقيني إنَّنِي مُصابٌ بِجُرْحٍ عَميقِ في مُنْتَصَفِ جِسْمي جَعَلَني غَيْرَ قادِرٍ عَلَى الحَرَكَةِ إلَّا بِبُطْءٍ شَديدٍ، وظَلَّ يَنوح, حتَّى رقّ قَلْبُ الحَمَامَةُ، فقالَتْ لَهُ: ماهيَ الأَدْوِيَةُ الّتي تَحْتَاجُها؟ ومِنْ أَيْنَ أُحْضِرُها لَكَ؟
قالَ الثُّعْبَانُ: لا عَلَيْكِ إِنَّها مَجْمُوعَةٌ مِنْ الأَعْشَابِ تُحْضَرِينها مِنْ حَوْلِكِ و تَقومينَ بِطَحْنِها ثُمَّ بوَضْعِها علَى الجرْحِ، فَأُشفى بِإِذْنِ اللهِ سَريعاً.
أجابته: لَنْ أَقومَ بِدَهْنِ جِسْمِكَ، سوْفَ أُعْطيكَ إيّاها و قُمْ بِذلك بنفسك. سَوْفَ أَجْمَعُها و أُعِدُّها بَعيدًا عَنْكَ فَوْقَ أَحَدِ أَغْصَانِ الشّجَرَةِ هناك. ذَهَبَتِ الحَمَامَةُ لِجَمْعِ الأَعْشابِ. أَخَذَتْها فَوْقَ أَحَدِ أغَصانِ الشّجَرَةِ، ثمّ دقّتها جيّدا حتّى صارت مسحوقةً كَالغُبار، ولمَّا انْتَهَتْ هَبَطَتْ.
فَرِحَ الثّعْباَنُ وقالَ: هيَّا يا صَديقَتِي المُخْلِصَة، ادْهنِي مَكانَ الجُرْحِ، ولَكِ مِنِّي كُلُّ الشّكْر والتّقْدير.
قالَتْ الحَمَامَةُ كَما ذكرت لك: سَأُعْطيكَ المَسْحوقَ و لتَدْهن جِسْمكَ بِنَفْسِكَ.
قالَ الزّاحف الخبيث: أَرْجوكِ أيَّتُها الطيّبة إنَّ جُرْحِي عميقٌ، وظَلَّ يَنوح: أَنا غَيْرُ قادِرٍ علَى ذَلِكَ بنفسي، وأَحْتاجُ إلَى مُساعَدتِكِ . تَرَدَّدَتْ الحَمَامَةُ و كادَتْ أنْ تنزل. كانَ الهُدْهُد يُراقِبُ المَشْهَدَ من أَعْلَى غُصْنٍ بالشّجَرِةِ فحذّرها: إنَّ الثُّعْبانَ غَدَّارٌ و خَائِنٌ، إنَّه يُريدُ منك أَنْ تَقْتَرِبي مِنْهُ حتَّى يلتهمك إنَّهُ ليس بِمَريضٍ ولا يُعانِي منْ أيِّ شَيْءٍ غَيْرِ الجوعِ، أَرْجوكِ لا تُنصتي لكَلامه.
قالَ الثُّعْبانُ: أيُّها الهُدْهُدُ! إذا كنت مَحْروما منَ الرّحْمَةِ؟ فلا تَجْعَلِ الحَمَامَةَ مثْلَكَ؟ ألَا تَرَى جِسْمِي العليلَ. أَنا غَيْرُ قادِرٍ علَى الحَرَكَةِ. | من قصص الأطفال - قصة: الحمامة والثعبان- تأليف: شاكر صبري - موقع (كيدزوون | Kidzooon)
|
|
|
كانَ الثَعْلَبُ يَسيرُ بالجوار فَلمّا سَمِعَ صَوْتَ الهُدْهُدِ، اقْتَرَبَ مِنْهُ لَعَّلَهُ يَجِدُ صَيْدًا ثَمينًا، فسَمِعَ حوارهما. فَهِمَ حيلَةَ الثُّعْبانِ، فَقَالَ في نَفْسِهِ: أنَا أَوْلَى بالحَمَامَةِ منْهُ، وبَدَلاً منْ أنْ يَلْتَهِمَها هو، أَقومُ أنا بافْتِراسِها وأَجْرِي بِها بعيدًا عَنْهُ. نادَى الثّعْلَبُ: أيَّتُها الحَمَامَةُ! الثُّعبان مَريضٌ حَقَّاً! فهَيَّا انْزِلي، وقَدِّمي لهُ الدّواءَ وسَوْفَ أقومُ أنا بحِمَايَتِكِ. قالَتْ الحَمَامَةُ: حَتَّى أَنْتَ أيُّها الثّعْلَبُ تَدَّعِي بأَنَّكَ تُحِبُّني وتُريدُ النّفْعَ لي.
قالَ الثّعْلَبُ: إنَّنِي أُعَرِّضُ نَفْسي للْخَطَرِ كَيْ أحْميكِ، أَنْتِ طيرٌ رَقيقٌ و جَميلٌ و تَقومينَ بِعَمَلِ الخَيْرِ، أَريدُ أنْ أُساعِدَكِ.
كادَتْ الحَمَامَةُ أنْ تُصَدِّقَ الثّعْلَبَ، ولَكِنَّ الهُدْهُدَ نبّهَها: ماذا دَهاكِ يا صَديقَتِي العَزيزَة؟ أَتُصَدِّقينَ كلامَهُما، إنَّ كلَّ واحِدٍ مِنْهُما يُريدُ افْتِراسَكِ. ظَلَّتْ الحَمَامَةُ في حَيْرَةٍ منْ أَمْرِها، أَتُصَدِّقُ الهُدْهُدَ؟ أمْ تُصَدِّقُ الثُّعْبانَ والثَّعْلَبَ؟ | من قصص الأطفال - قصة: الحمامة والثعبان- تأليف: شاكر صبري - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
|
|
شاهَدَ النّسْرُ وهوَ في أَعالي الجَوِّ الثُّعْبانَ يقِفُ علَى ذَيْلِه، فَقَالَ: لا بُدَّ أنّ هُنَاكَ أمْرًا ما يَحْدُثُ؟ حطّ علَى أَعْلَى غُصْنٍ في الشّجَرَةِ، وجَلَسَ يُراقِبُ الجَميعَ.
رأَى الكَلْبُ النّسْرَ يَهْبِطُ منْ أَعْلَى الجَوِّ، فَقَامَ يتابعه، كانَ يُريدُ أنْ يَسْأَلَهُ في أَمْرٍ ما، فَوَجَدَ الطّائرَيْن والمفترسَيْن متأهّبَيْن. اِنْتَظَرَ، و ظَلَّ يُراقِبُ المَشْهَدَ بِهُدوءٍ و صبرٍ.
أشفقت الحَمَامَةُ على الثُّعبانِ، ولمْ تَصغي لكَلامَ الهُدْهُدِ. ظنّت أنَّ الثّعْلَبَ سَوْفَ يَقومُ بحِمايتَها كَما وَعَدها. هَبَطَتْ واتَّجَهَتْ ناحِيَته. اسْتَعَدَّ المكّار للهُجوم عَلَيْها و خَطْفِها.
وكانَ الزّاحف الغدّار قدْ اسْتَعَدَّ هُوَ الآخَرُ للَدْغِها، ولَكِنَّ النّسْرَ كانَ قدْ سَبَقَ الحَمَامَةَ. غرس أَظافِرهُ في رَأْسِ الثُّعْبانِ وخَطَفَهُ، بَيْنَمَا انْقَضَّ الكَلْبُ على الثَّعْلَبِ الّذي حاوَلَ الهُجومَ. أَصابَ الشّجاع الثّعلب بِجُرْحٍ كَبيرٍ، فَفَرَّ المحتال بَعيدًا. عَلِمَتِ الحَمَامَةُ أنَّ عِنايَةَ السَّماءِ قَدْ أنْقَذَتْها، وأنَّها كانَتْ ساذِجَةً. اعتَذَرَتِ الطيّبة للهُدْهُدِ لأَنَّها لمْ تَسْمَعْ النّصيحَة وشَكَرَتْهُ علَى اهْتِمَامِهِ بِها، وصارَا رفيقين مع الكَلْبُ تجمعهما صَدَاقَةٌ لِلأَبَدِ.
ومن يومها أَصْبَحَتْ الحَمَامَةُ كُلَّمَا رَأَتْ ثُعْباناً تَحْتَرِسُ فَلَا تَقْتَرِبُ مِنْهُ ولَا تَسْمَعُ كَلامَهُ. | من قصص الأطفال - قصة: الحمامة والثعبان- تأليف: شاكر صبري - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
|
|
|