من قصص الأطفال:
قصة: رقصة النحل
للكاتبة: فيحاء عشير نابلسي
للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon)
كانت معلمة الصف السادس تخط التأريخ في أعلى السبورة في بداية الحصة الأولى بينما أغلب الطلاب مشغولون بتبادل الأحاديث، وحتى أحمد بدا على غير عادته منشغلاً، ولكن بشيء آخر، كان تفكيره منصرفاً إلى مراجعة المعلومات التي جمعها البارحة من عدة مواقع إلكترونية عن النحل وأنواعه ونشاطه فأخد يستذكر في باله أهم الأفكار التي يريد أن يخبر بها زملائه، وعندما توجهت المعلمة للتلاميذ بالسؤال:
- "من منكم قام بتحضير المعلومات التي طلبتها منكم البارحة؟"
لم يتنبه أحمد إلى سؤالها لأنه كان مستغرقا في أفكاره، لكنه تنبه عندما رفع زميله حسن يده وسبقه إلى المنبر ليقرأ على الصف ما جمعه من معلومات.
أنصت أحمد إلى حسن جيداً، كان يريد أن يركز على ما يقول من أجل أن يشارك هو بمعلوماته أيضاً، وعندما أنهى حسن كلامه رفع أحمد يده بحماس بعدما سجل على ورقة أمامه الأفكار التي أغفل زميله ذكرها.
قالت المعلمة مشيرة إلى أحمد بالنهوض:
- "تعال يا أحمد، أخبرنا بما تعلم".
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
- "لقد أخبرنا حسن معلومات هامة عن النحل ولكن بقيت هناك معلومتان لم يذكرهما."
سألت المعلمة: "وما هما هاتان المعلومتان؟"
قال أحمد: "المعلومة الأولى أن هناك عشرين ألف نوع من النحل في العالم!"
صاح التلاميذ بدهشة وتساءل أحدهم بحماس: "وهل كلها تعطي العسل؟"
أجاب أحمد: "أغلبها ينتج عسلاً من النباتات المختلفة في الجبال والسهول." ثم تابع قائلاً:
"أما المعلومة الثانية فهي أن النحل يتواصل مع بعضه بالرقص."
انفجر التلاميذ بالضحك فصفقت المعلمة وطلبت منهم الهدوء، ثم سأل أحد التلاميذ:
- "ولماذا يقوم النحل بالرقص؟"
أجاب أحمد: "تقوم النحلة بأداء رقصة لتدل رفيقاتها على مكان وجهةِ حقل الزهور، وحسب الطريقة التي تهز النحلة بها جسمها والجهة التي تشير إليها يستدل النحل على مكان الحقل وبعده عن الخلية."
سأل حسن ضاحكاً: "ولم لا تطير هذه النحلة أمام النحل وتدلهم على مكان الحقل بدل أن ترقص؟"
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
نظرت المعلمة إلى أحمد وأشارت له ليجيب عن السؤال لكنه بقي صامتا لوهلة وعلى وجهه ملامح الدهشة، ثم قال بحيرة: "في الحقيقة أنا لا أعرف جواباً لهذا السؤال."
أشارت المعلمة إلى أحمد ليعود إلى مكانه:
- "حسنا، شكرا لك يا حسن ويا أحمد على هده المعلومات القيمة، والمعلومة المهمة هنا" توقفت المعلمة عن الكلام وكتبت على اللوح الرقم (20000) ثم التفتت إلى الطلاب وقالت:
- "ركزوا جيدا على هذ ه الفكرة، هناك عشرون ألف نوع من النحل في العالم، هده الأنواع تختلف عن بعضها ربما بالشكل أو اللون أو حتى القدرة على الطيران وجمع الرحيق، لكن في النهاية كلها نحل وكلها تصنع العسل، نحن البشر أيضا نختلف عن بعضنا بأشياء كثيرة ولكننا في النهاية كلنا بشر وكلنا...."
علق أحد التلاميذ:
- "لكننا لا نصنع العسل."
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
ضج الصف بالضحك فابتسمت المعلمة بهدوء وتابعت:
- "نعم لكننا نقوم بأشياء كثيرة وكل واحد منا يتقن أشياء مختلفة. حسناً أنا أقول لكم هذا الكلام لأننا سنستقبل اليوم في الصف طالباً جديداً وهو مختلف عنكم في بعض الأشياء وأنا أريد منكم أن ترحبوا به وتساعدوه ليصبح صديقاً لكم." أنهت المعلمة كلامها ونظرت إلى التلاميذ، كان يبدو على وجوههم الاستغراب والفضول. سأل أحد التلاميذ متعجباً: "كيف يكون مختلفاً عنا؟ هل لونه يختلف عن لوننا..؟"أجابت المعلمة:"لا طبعاً، سترونه الآن، سيأتي بعد قليل." ثم تابعت ترتيب كتبها على الطاولة.
بعد دقائق وبينما كانت المعلمة تدور على التلاميذ تتفقد الوظائف طُرق الباب ودخل الموجه بصحبة تلميذ بدا خجولاً ومرتبكاً، تكلم الموجه مع المعلمة لدقائق ثم غادر غرفة الصف.
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
أمسكت المعلمة بيد التلميذ الجديد ووقفت معه على المنبر أمام التلاميذ:
- "هذا هو زميلكم الجديد واسمه سامر، من سيجلسه في مقعده؟" سألت المعلمة وهي تنظر إلى التلاميذ.
لم يرفع أحد من التلاميذ يده، كانوا ينظرون إلى سامر نظرة استغراب ودهشة، بدا سامر ولداً خجولاً وهو يخفض رأسه ويثبت نظره على الأرض، كان ولداً معتدل الطول، ممتلئ الجسم،لكن رأسه كان صغيراً بالنسبة لجسمه، بينما كانت عيناه واسعتين وبارزتين بعض الشيء، وكان لا يتوقف عن فرك أصابعه وهز قدمه باستمرار.
بعد دقائق قليلة رفع أحمد يده:
- "أنا أجلسه إلى جانبي."
- "حسنا، هيا يا سامر اذهب إلى مقعدك. دعونا الآن نتابع دروسنا." قالت المعلمة ذلك وهي تتوجه إلى المنبر لتخط على السبورة عنوان الدرس لهذا اليوم.
لم يكن من عادة أحمد أن يتلهى عن الدرس، لكنه كان اليوم منشغلاً بتأمل رفيقه الجديد، كان ينظر باستغراب إلى نظارة سامر السميكة والسماعة المثبتة خلف أذنه، لم يتوقف سامر عن فرك أصابعه وهز ساقه طوال الوقت مما جعل أحمد يشعر بعدم التركيز لكنه كان يبتسم لسامر كلما نظر إليه.
في نهاية الدرس عندما طلبت المعلمة من التلاميذ أن ينقلوا عن السبورة ملخص الدرس إلى دفاترهم تأمل أحمد رفيقه سامر وهو يكتب بخط مضطرب ويد مرتعشة، أنهى أحمد كتابته بسرعة وتناول دفتر رفيقه وأكمل له كتابة الدرس ثم ناوله الدفتر مبتسماً وهو يقول:
- "يمكنني أن أساعدك في أي شيء، أنا أسرع منك في الكتابة."
لم يجب سامر بأي كلام لكنه تبسم وأعاد النظر إلى الأرض وهو يفرك أصابعه.
لم يخرج سامر إلى الفسحة، بل بقي في غرفة الصف جالساً على المقعد وعندما عاد التلاميذ إلى الصف سأله أحدهم:
- "في أي مدرسة كنت قبل أن تأتي إلى هنا؟
أجاب سامر متلعثما: كننن.. نت فييي مدرسة ال أ أ مل."
ضحك الأولاد من كلام سامر فأطرق رأسه في الأرض خجلاً، لكن أحمد لم يضحك معهم، بل احمر وجهه غضباً وهو ينظر إلى رفاقه يتغامزون على سامر وتأتأته، لم يقل أحمد شيئاً لرفاقه لكنه ابتسم لسامر وأخد بيده ليجلسا على المعقد سوياً.
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
عندما عاد أحمد إلى البيت أخبر والدته عن رفيقه الجديد، وبينما كانت العائلة تتناول طعام الغداء ظل أحمد يتحدث عن سامر واصفاً شكله وكلامه وبطء يده في الكتابة، كان متأثراً جدا حتى أن بعض الدموع كانت تترقرق في عينيه وهو يتكلم.
قالت الأم بصوت حزين:
- ربما يكون رفيقك مصابا بمتلازمة دوان يا أحمد، هؤلاء الأشخاص لهم وضع خاص ويحتاجون رعاية أكثر من غيرهم." سأل أحمد باستغراب: -"وما هي متلازمة داون؟"
أجابت الأم: -"سأخبرك عنها ولكن بعد أن أقوم بتنظيف الصحون، هيا احمل معي بعض الصحون إلى المطبخ."
لم يستطع أحمد أن يصبر حتى تنتهي أمه من غسيل الصحون وكان والده منشغلاً بمتابعة نشرة الأخبار فلم يسأله بل توجه إلى الكمبيوتر وكتب على جوجل "متلازمة داون"، وفي الحال ظهرت له عناوين كثيرة لمقالات تتحدث عن هذه الحالة، وعندما استعرض الصور المرفقة بالمقالات شعر أن هناك شبهاً كبيراً بين سامر وهؤلاء الأشخاص، فجميعهم لديهم تلك النظرة الطيبة والوجه الهادئ، وفهم أحمد أن هؤلاء الأشخاص لديهم قدرات محدودة في الفهم والتعبير عن النفس أحياناً ولذلك يسمونهم "ذوي الاحتياجات الخاصة". أنهى أحمد مقالاً وكاد أن يتصفح الثاني لكنه شعر فجأة بضيق وكآبة وأحس أنه فهم الآن معنى كلام المعلمة عندما قالت عن سامر أنه "مختلف".
لم يشعر أحمد برغبة في الدراسة فاستأذن والده في النزول إلى الشارع لشراء بعض الحلوى من المحل المجاور، كانت صورة سامر تراود خياله كل الوقت وكلما تذكر سخرية الأولاد من تأتأته شعر بالحزن يملأ قلبه وشعر بأن عليه أن يساعد سامر بقدر ما يستطيع حتى يخفف من ألمه.
في كل يوم كان أحمد يرافق سامر في الفسحة ويقف في وجه من يحاول السخرية منه أو حتى المزاح معه، وفي الصف كان دائماً يساعده في كتابة الوظائف ونقل الدروس عن اللوح ويحاول أحياناً أن يعيد عليه ما قالته المعلمة، لكنه كان يشعر بحزن شديد عندما توجه المعلمة سؤالاً إلى سامر فيقف متلعثماً وهو يحاول الإجابة ثم يصمت خجلاً عندما يرى بعض التلاميذ يضحكون خفية، كان أحمد يتمنى لو أنه يستطيع الإجابة بدلاً عنه على الرغم من أن المعلمة لم تكن تؤنبه بل على العكس من ذلك كانت تبتسم له بهدوء وتطلب منه أن يتابع معهم.
في عصر أحد الأيام وبعدما أنهى أحمد دروسه، سأل والده بحزن:
- "هل يمكن أن يصبح سامر مثلنا ويشفى من حالته؟"
أجابه والده بهدوء: "آه، يمكنه أن يصبح أفضل مما هو عليه الآن، لكنه ربما لن يصبح مثلنا تماماً." أجابه والده بهدوء.
شعر الوالد بحزن أحمد فأخذ بيده إلى حديقة المنزل وربت على كتفه وهو يقول:
- "انظر يا أحمد إلى هده الحديقة الصغيرة، انظر إلى هذه الأشجار الكبيرة والأعشاب من حولها وهناك في الزاوية بعض النباتات أيضاً، انظر إليها كلها،ألا ترى كيف تختلف في طولها ولونها وثمارها؟"
قال أحمد وهو يتأمل المكان من حوله:
- "نعم يا أبي أرى ذلك جيداً، هناك نباتات تعيش في الظل بينما نباتات أخرى تتطاول بأغصانها نحو الشمس والضوء."
تابع الوالد:"ونحن البشر أيضاً نعيش في هده الحياة معاً مع أننا نختلف في أشكالنا وحاجاتنا وقدراتنا، لكننا مثل هذ ه النباتات نشكل معاً حديقة جميلة عندما نتآلف ونتوافق مع بعضنا، هل توافقني الرأي يا أحمد؟"
قال أحمد وهو ينظر إلى والده بإعجاب:
- "كلامك جميل يا أبي! أتمنى لو يسمعك أصدقائي ويفهمون هده المعاني."
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
قال الأب: -"بإمكانك أن تجعلهم يرون تلك المعاني عندما تصدقها وتعاملهم بها سيدركونها ويشعرون بها بالتأكيد."
هز أحمد رأسه ولم يجب، كان يفكر في صديقه سامر وفي اختبار الرياضيات الذي سيقومون به يوم غد، وكان أحمد يتساءل في نفسه إن كان بمقدور سامر أن يجيب على الأسئلة كلها وينال علامة جيدة.
تناول أحمد قطعة الحلوى التي حضرتها أمه وعاد ليتابع دروسه والاستعداد لاختبار يوم غد.
كان اختبار الرياضيات في الحصة الأولى وكان التلاميذ يسألون بعضهم عن المسائل والتمارين في كتاب الرياضيات لكن سامر لم يكن يسأل أحداً ، كان ينظر إلى التلاميذ ويستمع إليهم بصمت.
عندما وزعت المعلمة أوراق الاختبار على الصف تناول التلاميذ أوراقهم وبدؤا يقرؤون الأسئلة ويكتبون، بدا السرور على وجوه بعض التلاميذ، كانت الأسئلة سهلة بالنسبة إليهم لأنهم يعرفون الإجابات، ولكن قليلاً منهم كانوا ينظرون إلى الورقة بوجه عابس يحاولون تذكر المعلومات التي درسوها وحفظوها.
كان أحمد يحل المسائل ويجري العمليات الحسابية بكل سهولة فقد كانت الرياضيات مادته المفضلة وكان يجد متعة كبيرة في حل التمارين الصعبة والمعقدة، لكنه توقف عن الكتابة قليلاً ونظر إلى سامر الذ ي كان يجلس إلى جواره في المقعد ولا يكتب أي كلمة على ورقته.
لم يكن يبدو على سامر أي حزن أو ضيق، نظر إلى أحمد مبتسماً ثم عاد يحاول قراءة أسئلة الاختبار.
تابع أحمد كتابة الإجابات على ورقته، كان قد قرر في نفسه شيئاً فأخد يكتب بسرعة كبيرة من أجل أن يكمل الاختبار قبل نهاية الوقت.
عندما رن الجرس معلنا نهاية الحصة طلبت المعلمة من التلاميذ أن يضعوا أقلامهم على المقاعد وأخدت تمر عليهم لتجمع الأوراق، وعندما وصلت إلى مقعد أحمد وسامر كان أحمد ما يزال يكتب بسرعة كبيرة وكأنه يجري في سباق لكنه توقف عن الكتابة وقدم الورقة إلى المعلمة وهو ينظر إليها بارتباك وحالما استدارت المعلمة تنفس أحمد بارتياح ونظر إلى سامر وهو يبتسم بسعادة.
في مساء ذلك اليوم وبينما كانت العائلة تشاهد برنامجا على التلفاز نظرت والدة أحمد إليه فجأة ثم سألته وهي تبتسم:
- "أراك سعيداً يا أحمد، لقد رأيتك تبتسم كل الوقت هذا اليوم!"
قال أحمد وهو يبتسم:- "نعم يا أمي، أنا سعيد حقا، لقد ساعدت صديقي ليصبح أفضل وأشعر أني قمت بفعل خير."
سألت الأم وهي تنظر إلى ابنها:"حقا؟ إنه لشيء جميل أن نقدم المساعدة للآخرين، ولكن هل تعتقد أنك قدمت مساعدتك بالطريقة الصحيحة؟"
- تساءل أحمد مستغرباً: "وهل يمكن لفعل الخير أن لا يكون صحيحاً؟"
أجابت الأم:"أي فعل يقوم به الانسان يمكن أن تكون صحيحاً أو خاطئاً حسب الطريقة التي يقوم به، ما هي المساعدة التي قدمتها لصديقك؟"
لم يجب أحمد على سؤال والدته، تظاهر بالانشغال بمتابعة مشهد على التلفاز بينما كان عقله يفكر في ما قام به في اختبار الرياضيات وما فعله مع سامر.
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
في اليوم التالي وبعدما ألقت المعلمة تحية الصباح على التلاميذ، طلبت منهم الانتباه من أجل ان تقرأ عليهم درجات اختبار الرياضيات.
أنصت أحمد بكل انتباه وأخد قلبه ينبض بسرعة وأحس بحرارة في رأسه فتلفت حوله ليرى إن كان أصدقائه يلاحظون ما يجري عليه، كان كل واحد ينظر إلى المعلمة منتظراً سماع درجته.
- "أحمد، العلامة الكاملة مئة من مئة، أحسنت يا أحمد" قالت المعلمة وهي تنظر إليه بسرور.
شعر أحمد بالفرح لكن قلبه لم يهدأ كان ينبض بشدة وأنفاسه تتسارع وهو ينتظر علامة صديقه سامر.
- "سامر، ثلاثون من مئة، لا بأس يا سامر، ستكون درجتك أفضل في المرة القادمة." قالت المعلمة وهي تنظر إلى سامر بحنان.
لم يبد على سامر الانزعاج ولم يقل شيئاً بل ظل يبتسم وهو ينظر إلى المعلمة بهدوء، لكن أحمد بدا مذهولاً وكاد أن يطلق صيحة دهشة واستغراب لولا أن وضع يده على فمه لئلا يسمع أحد صوته.
حاول أحمد أن يبدو طبيعياً لكنه كان في غاية الدهشة، كان يتوقع أن ينال صديقه سامر الدرجة الكاملة مثله تماما لكنه لم يعلق بشيء، حاول جهده أن ينتبه إلى الدروس وإلى شرح المعلمة لكن ذهنه ظل مشغولاً بالدرجة الضعيفة التي حصل عليها سامر.
في الحصة الأخيرة في ذلك اليوم قررت المعلمة إجراء اختبار في مادة الفنون، وزعت على التلاميذ معجونة الصلصال وطلبت منهم أن يقوموا بتشكيل أي شيء يرغبون فيه، سواء من الجمادات أو الحيوانات أو النباتات.
أمسك أحمد المعجونة الطرية بيديه وأخد يفكر في الشيء الدي يريد تشكيله، لم يكن أحمد ماهراً في الفنون فقرر أن يصنع من المعجونة شجرة ويثبتها على قاعدة، بدأ أحمد بتنفيذ الشكل الذي تخيله ولم يلتفت إلى رفاقه، كان يريد أن يقدم عملاً جميلاً من أجل أن ينال درجة جيدة في الفنون ويحافظ على ترتيبه الأول في الصف.
في نهاية الحصة أخدت المعلمة تدور بين المقاعد تتفقد الأعمال التي قام التلاميذ بتشكيلها وتسجل الدرجات التي يستحقها كل عمل وقبل أن ينتهي الدوام وقفت المعلمة على المنبر وطلبت من التلاميذ أن ينصتوا لتقرأ عليهم درجاتهم. ولما كان اسم أحمد أول اسم في سجل الدرجات فقد بدأت به المعلمة:
- أحمد، سبعون من مائة، جيد يا أحمد."
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
لم يستمع أحمد إلى درجات رفاقه، كان يشعر بالانزعاج من درجته السيئة ويتمنى لو أنه قام بتنفيذ شكل آخر لينال درجة أعلى، ولكن حالما نطقت المعلمة باسم سامر تنبه أحمد من شروده وأنصت إلى المعلمة مترقباً.
قالت المعلمة وهي تنظر إلى سامر بتقدير:"سامر، مئة من مئة، أحسنت يا سامر!"
تلفت التلاميذ نحو سامر وأخذوا يتأملون الشكل الذي قام بتنفيذه، كان سامر قد صنع من الصلصال فيلاً كبيراً يرفع خرطومه في الهواء وإلى جانبه فيلة صغار، بدا عمله جميلاً جداً، حتى أن التلاميذ صاحوا متعجبين من مهارته في التشكيل، بدت الفيلة وكأنها حقيقية ولكن بحجم صغير.
نظر الجميع إلى سامر بإعجاب وتقدير، كانت مفاجأة كبيرة لهم أن يروا أحدا منهم يقوم بعمل جميل بهذا الشكل.
عندما رن جرس الانصراف وانطلق التلاميذ إلى بيوتهم، تظاهر أحمد بالانشغال بتوضيب حقيبته وعندما غادر جميع التلاميذ توجه إلى المعلمة قبل أن تنصرف، كان مرتبكاً ومتردداً في الحديث معها لكن المعلمة بادرته بالسؤال:
- ما بك يا أحمد؟ هل تريد الاستفسار عن شيء؟"
من قصص الأطفال - قصة: رقصة النحل- تأليف: فيحاء نابلسي - قصة للفئة العمرية من: 10 - 12 سنة - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
قال أحمد بخجل: "آه.. لا.. الحقيقة... كنت أريد أن.."
سألت المعلمة:
"تريد أن تعرف كيف حصل سامر على درجة ضعيفة في الرياضيات؟ على الرغم من أنك كتبت له الإجابات كما كتبتها في ورقتك؟"
أخذت سامر الدهشة ولم يستطع الكلام!"
قالت المعلمة بهدوء:
"لقد أعدت له الاختبار وحده، هو أخبرني بما فعلت يا أحمد، سامر لا يعرف الكذب، لقد نال الدرجة التي يستحقها، واليوم كما رأيت نال أيضاً الدرجة التي يستحقها."
قال أحمد مطرقاً برأسه:
"أنا أعتذر، كنت أريد أن أساعده فقط، و..."
قالت المعلمة:"أعرف يا أحمد أنك لم تقصد الغش ولكن، اسمع! هل تذكر ذلك السؤال الذي وجهه لك حسن عن النحلة الراقصة؟"
قال أحمد: "آه.... نعم أ ذكر، لم أعرف جواب ذلك السؤال."
سألت المعلمة: "هل يمكنك أن تخمن الآن، لماذا تقوم النحلة بالرقص بدلاً من أن تأخذ باقي النحلات بنفسها إلى الحقل؟"
أجاب أحمد متردداً: "ربما لأن لكل نحلة مهمتها التي عليها أن تقوم بها بنفسها؟"
قالت المعلمة وهي تربت على كتف أحمد بحنان:"ربما، وربما هناك أسباب أخرى."
قال أحمد وهو يحك رأسه متفكراً:"وربما لأن علينا أن ندع كل واحد يقوم بعمله بطريقته الخاصة وحسب قدرته؟"
قالت المعلمة وهي تودع أحمد منصرفة إلى بيتها:
"ستعرف الكثير من الإجابات في كل يوم يمر عليك يا أحمد، هناك الكثير من الأسئلة في الحياة وعلينا ان نفكر ونعمل من أجل أن نعرف الجواب الصحيح، ربما نخطئ أحياناً ولكن علينا أن لا نتوقف عن التفكير من أجل أن نصل إلى الحقيقة."
|
في ذلك اليوم وبعدما أنهى أحمد دروسه خرج إلى حديقة منزله ليقطف ثمرة من شجرة البرتقال، وبينما كان يمد يده إلى الغصن القريب سمع طنيناً ورأى نحلة تحوم فوق زهرة صفراء، وقف يتأملها بهدوء وهي تطير مبتعدة، تصور في خياله كيف ستعود إلى خليتها لترقص أمام النحلات رقصة تهز بها جسمها الوبري من أجل أن ترشدها إلى مكان الأزهار، تخيل كيف ستنطلق كل نحلة إلى عملها من أجل أن تجمع الرحيق وتصنع العسل.
قطف أحمد ثمرة برتقال أخرى وعاد إلى البيت وهو يبتسم، كان يتخيل نفسه نحلة تتجول بين صفحات الكتب، تستكشف المعارف وتجمع المعلومات، ثم تطير إلى رفاقها من أجل أن تقدم لهم رقصة المعرفة.
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتبة: فيحاء عشير نابلسي يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: فيحاء عشير نابلسي وقصص الأطفال وقصص اليافعين.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم النشر بطلب من كاتبة القصة: أ. فيحاء عشير نابلسي.
---------------------------------------------