من المراجعات والمقالات النقدية:
قصة الطفل وتقنيات التعليم
قراءة: حيدر هوري - صفحة طباشير
|
الطفل هذا الكائن الحالم، وصاحب الخيالات الغريبة تارة والذكية تارة أخرى، والذي يجعل من المكنسة حصانا ومن الأطباق والكؤوس قلاعا وشخصيات تتلاءم وما يخلقه من خيالات ومشاهد في رأسه. الطفل هذا الباحث النهم عن الجدّة والطرافة والمتعة والاستكشاف، لن يجد أفضل من القصص والحكايات رفيقا ومؤنسا ودليلا ومعلما له، ففيها نستطيع أن نعجن كل اهتماماته وهواجسه في مادة واحدة ألا وهي القصة المصورة، وخاصة في المرحلة العمرية المبكرة.
دور القصة في بناء مهارات الطفل:
لا يخفى على أحد، دور القصّة البنائي والمؤسس لمهارات الطفل وسلوكياته ونضجه العقلي، ودورها أيضا في توجيه خيالاته المتمردة مع مرور الزمن - وبما يتوافق مع مرحلته العمرية- إلى مقاصدها وأهدافها، لهذا كم سيكون جميلا ومفيدا عندما ننتج قصصا تلعب كل الأدوار التي يحبها الطفل، وتذليل كل تلك الأدوار، ليكون عاملا مساعد في إغناء معارف الطفل وتعليمه!
تحليل قصة (في غرفة سيفو غابة):
سأتوقف اليوم بالتحليل أمام قصة رأيتها مشحونًة بطاقة كبيرة من المتعة والبهجة والحركة، بعباراتها وبأحداثها ومشاهدها، وحتى رسوماتها الأقرب إلى الصورة الواقعية. تحمل القصة اسم (في غرفة سيفو غابة) للكاتبة (تغريد النجار) من إصدارات دار السلوى ورسومات (سحر عبد الله).
حملت القصة عنوانا محفزا للطفل بغرابتها، (في غرفة سيفو غابة)، إذ من غير المنطقي أن تنحصر الغابة بحيواناتها ونباتاتها وأشجارها، وكل مظاهرها الطبيعية في غرفة صغيرة، لهذا ستكون هذه الغرابة دافعًا مناسبًا ليكتشف الطفل سرّ غرفة الطفل (سيفو) بطل الحكاية.
رفض الطفل للتلقين:
كلنا يعرف عن الطفل نفوره ورفضه لكل أمر تلقيني ومباشر وآمر، سواء كان الأمر متعلقا بتناول الطعام أو الشراب أو اللعب، وحتى في اختيار الملابس والألعاب، فكم من الأمهات والآباء مارسوا (الاحتيال والخدعة) مع أطفالهم لتناول طعام ما أو لتشتيت انتباههم أو تركيزهم على غرض ما. وضعت مفردتي الحيلة والخدعة بين قوسين؛ لأن ما نقوم به لا يتقبل سوى مثل هذا التوصيف، ولكنه احتيال مفيد، وخدعة مبنية على نيات نبيلة في أغلب الأحيان (بتصوري الخاص). لكل ذلك كم من الجميل أن نستخدم (القصة الحيلة/ القصة المخاتلة/ القصة الخادعة...) حتى نقوم بترغيب أطفالنا بالقراءة والتعلّم واكتشاف المجهول عنه؟!
ترغيب الأطفال بالقراءة والتعليم في قصة (في غرفة سيفو غابة):
هذا ما فعلته النجار في قصتها اللطيفة، حيث وضعت في النص درساً عن الأرقام، ولن يشعر الطفل بذلك، وبنت أحداث قصتها مستثمرة الارقام ابتداءً من الرقم واحد، ووصولا إلى الرقم عشرة. لم تأخذ في القصة دور الملّقن، بل تركت الطفل يبحث ويستكشف ويعدّ ما بين يديه من ألعاب بما يتناسب وعوالمه الخيالية.
أَرْبَعَةُ دِبَبَةٍ في الغابَةِ، تَتَمايَلُ... تَرْقُصُ بِسَعادَةٍ.قالَ الدُّبُّ الصَّغيرُ: ارْقُصْ مَعَنا يا سيفو! ارْقُصْ مَعَنا!
إِلى الأَمامِ خُطْوةً، وَإِلى الخَلْفِ خُطْوَتَيْنِ،
هِزَّ البَطْنَ مَرَّتَيْنِ، وَلَوِّحْ لِلْأَعْلى بِالْيَدَيْنِ.
ترا لالالا ترا لا لييييييي
جعلت تغريد من قصتها معلّما ماهرا وذكيَا، يقوم بصقل المهارات اللغوية للطفل القارئ وأدخلت مفردات جديدة تغني معجمه وخزينته الخاصة من الكلمات، فكانت الأشجار الكثيفة، وأسماء الحيوانات وصفاتها، وكانت الأنهار والمشاعر والأحاسيس كلها حاضرة، ومحكومة بعناصر مثل المتعة والطرفة والغرابة، والتي تتوافق مع ما يملكه الأطفال من طاقة حركية وحيوية.
خَمْسَةُ قِرَدَةٍ شَقِيَّةٍ، خَطَفْتْ بَطّانِيَّةً.
صاحَ سيفو: هَذِهِ بَطّانِيَّتي!
قالَ القِرْدُ الصَّغيرُ: تَأَرْجَحْ مَعَنا يا سيفو،
وَسَنُرْجِعُ لَكَ البَطّانِيَّةَ.
تَأَرْجَحَ سيفو مَعَ القِرَدَةِ، مِنْ شَجَرَةٍ إِلى شَجَرَةٍ...
مِنْ أَعْلى إِلى أَسْفَل... يَمينًا ثُمَّ شِمالاً...
يييييي هيييييي هوووو
أحداث قصة (في غرفة سيفو غابة) :
أحداث القصة تجري وكأنها مغامرة يقوم بها الطفل (سيفو) الذي يتنقل في غابته (والتي هي في الحقيقة غرفته وألعابه)، فنجده مع القرودة المشاكسة والدببة الراقصة، والفيلة الضخمة والتماسيح وأسنانها الحادة، والسلاحف والأسماك والأشبال والببغاءات الملونة. بين حدث وآخر تعطي الكاتبة الطفل معلومة جديدة، قد تكون سلوكية أو معرفية، كما هو حال التمساحين المتألمين بسبب أسنانهما، فتستحضر الفرشاة، وضرورة قيام الطفل باستخدام فرشاة الأسنان كي لا يعاني ما يعانيه التمساحان.
خَمْسَةُ قِرَدَةٍ شَقِيَّةٍ، خَطَفْتْ بَطّانِيَّةً.
صاحَ سيفو: هَذِهِ بَطّانِيَّتي!
قالَ القِرْدُ الصَّغيرُ: تَأَرْجَحْ مَعَنا يا سيفو،
وَسَنُرْجِعُ لَكَ البَطّانِيَّةَ.
تَأَرْجَحَ سيفو مَعَ القِرَدَةِ، مِنْ شَجَرَةٍ إِلى شَجَرَةٍ...
مِنْ أَعْلى إِلى أَسْفَل... يَمينًا ثُمَّ شِمالاً...
يييييي هيييييي هوووو
لغة ومفردات قصة (في غرفة سيفو غابة):
استخدمت الكاتبة في سرد أحداث قصتها لغة بسيطة وسهلة. كانت مفرداتها مناسبة لأحداث قصتها، واستثمار أسلوب السجع والنهايات الصوتية المتشابهة للمفردات كان عنصرا جماليا إضافيا للقصة، إلى جانب بعض المفردات والعبارات الصوتية التي تعبر عن حالة وأثر كل فعل مثل صوت وقع خطوات الفيلة (بوم با با بوم بوم بوم) أو صوت إيقاع ركض الحمير الوحشة ( كوبلنك كوبلنك ..) فاستخدام مثل هذه الأصوات الايقاعية وخاصة عند قراءة النصوص من قبل ذوي الأطفال أو المعلمين سيبث المتعة في نفوس الأطفال، وسيشدهم للمشاركة في تكرارها، فكل شيء حركي يحبّه الأطفال.
سِتَّةُ حَميرٍ وَحْشِيَّةٍ، تَسْتَعِدُّ لِتَمارينَ وَهْمِيَّةٍ، تَحُسُّبًا لِهُجومِ أُسودٍ بَرِّيَّةٍ.
قالَ الحِمارُ الوَحْشِيُّ الصَّغيرُ: ارْكُضْ مَعَنا يا سيفو... ارْكُضْ مَعَنا.
رَكَضَ سيفو... رَكَضَ وَرَكَضَ مَعَ سِتَّةِ حَميرٍ وَحْشِيَّةٍ.
كوبلنك كوبلنك ..... كوبلنك
قد أقف عند المدخل قليلاً، فلقد كانت بداية القصة تقليدية جدّا، وتخلوا من الحركية التي تحدثت عنها، وفيها عبارة تدل إلى التوجيه والأمر (لا تبتعد كثيرا يا سيفو)، كم تمنيت لو أن البداية كان مختلفة ومشحونة بالطاقة التي لاحظتها في مجمل القصة.
قالَتْ ماما: إِلى أَيْنَ أَنْتَ ذاهِبٌ يا سيفو؟
أَجابَ سيفو: إِلى الغابَةِ يا ماما.
ابْتَسَمَتْ ماما قائِلَةً: لا تَبْتَعِدْ كَثيرًا يا سيفو، سَأَشْتاقُ إِلَيْكَ.
ربطت النجار الخاتمة بالنوم، وأرجعتنا إلى الطفل الذي يحب قراءة القصص قبل النوم، وأسقطت سيفو في عوالم النوم بعد يوم حافلا باللعب مع الحيوانات في غابته الافتراضية.
سَقَطَ في حِضْنِ ماما.
قالَ سيفو: اشْتَقْتُ إِلَيْكِ يا ماما.
قالَتْ ماما: حَبيبي سيفو، وَأَنا أَيْضًا اشْتَقْتُ إِلَيْكَ.تُصْبِحُ عَلى خَيْرٍ يا حَبيبي.
في الختام أستطيع القول:
إن مثل هذه القصص البسيطة في مفرداتها وأحداثها، هي جزء لا يتجزأ من حياة الطفل، وما يلبي طبيعته المائلة إلى النشاط والحركة، لم تتكلف الكاتبة كثيرا في خلق جملها وأحداثها، لأنها تتوجه إلى فئة عمرية صغيرة، جل همها اللعب والضحك وخوض المغامرات المتخيلة. كما أستطيع أن أنصح المؤسسات التعليمية وخاصة رياض الأطفال باقتناء هذه القصة في مكتباتها؛ لأنها ستكون بمثابة المعلم المرح للطفل الصغير الحالم وصاحبه الخيال والعاطفة الذكية، فهذه القصة خزان معرفي وتعليمي مبسط للطفل في العلوم والرياضيات والجغرافية والسلوك وحتى الرياضة.
---------------------------------------------
---------------------------------------------
هذه القراءة هي واحدة من عدد من الدراسات والقراءات النقدية التي تقدمها: صفحة طباشير عبر الفيسبوك.
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتب: حيدر هوري، وللمزيد من المراجعات والمقالات النقدية يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: صفحة طباشير ومراجعات قصص الأطفال ومقالات نقدية لقصص الأطفال.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم النشر بموافقة من كاتب القراءة النقدية: أ. حيدر هوري.
-------------------------------------