من قصص الأطفال:
قصة: نَعُّوم وسَلْحُوف
تأليف ورسوم: مالك الشويّخ
من قصص الأطفال - قصة: نَعُّوم وسَلْحُوف - تأليف ورسوم: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
ـ 1 ـ
اِخْتارَتْ الدَّجاجةُ الْحمْراءُ مكانًا بَعيدًا عَنِ الأنْظارِ، ووضَعَتْ بَيْضَها وحَضَنَتْهُ وأخَذَتْ تَحْلُمُ بخُرُوجِ فِرَاخٍ جَميلَةٍ تمْلأُ دُنْياها بَهْجَةً.
مَضَتْ الأسابيعُ طَويلَةً إلى أنْ فَقَسَ البَيضُ، واسْتَقْبَلَتْ كتاكيتَ أخَذَتْ تَنُطُّ حوْلَها ثمّ تَعُودُ إلى حِضْنِ أمِّها الدَّافئِ. أطلَّ كُتْكُتٌ غَرِيبٌ، عُنُقُهُ مَنْتُوفٌ بدون ريشٍ، اِبْتَعَدَ عنْ إخْوَتِهِ قليلاُ فَنَهَرَتْهُ أمُّهُ فعادَ واخْتَبَأ تَحْتَ جَناحِها.
مرَّتْ الأسابيعُ سَريعَةً. وبَدَأتْ الكتاكيتُ تَكبُرُ ويَنْبُتُ ريشُها.
وذاتَ يَوْمٍ تَسلَّلَ الكتكتُ الغريبُ نعّوم وأخذَ يَبْحَثُ عن الطَعامٍ بمِنْقارِهِ الصَّغيرِ. وفجأة رأى أمامَهُ كائِنًا مُخَتَّمًا، أخذَ الكُتْكُتُ يُراقِبُ هذا الكائنَ فرأى رأْسَه يُطِلُّ بِحَذَرٍ شَديدٍ، وسألَهُ:
ـ مَنْ أنْتَ ؟.. ما اسْمُكَ ؟ ..
لمْ يَنْبُسُ الكائنُ بِبِنْتِ شَفَةٍ، وظلَّ صامِتًا.
ـ لِماذا لا تُجيبُني ؟ سأَلتُكَ: ما اسْمُكَ ؟
وأجابَ الكائنُ: " أنا لا أكَلِّمُ الغُرَبَاءَ. "
فقال الكُتْكُتُ:
ـ أنا نَعُّوم.. وأنتَ.. ما اسْمُكَ ؟
ـ أنا سَلْحُوف..
و اِخْتفى نعّوم فجْأةً ثمّ عاد وقال:
" لقد نادَتْني أمّي لِتُطْعِمَني أنا وإخْوَتي.."
وأجابَ سلْحُوف باستغْرَابٍ : " إخْوَتُكَ ؟.. "
ـ نعمْ إخْوتي.. ألَيْسَ لك إخْوَةٌ ؟
أحَسَّ سَلْحوف بِحَرَجٍ وأجابَ:
ـ لا أعْرِفُ..
ـ كيْفَ لا تَعْرِفُ ؟ لِماذا لا تَسْألُ أمَّكَ أو أباكَ ؟
اِحْمَرَّتْ وجْنتا سَلْحُوف خَجَلاً وقالَ:
ـ لا أعْرِفُ لي أمًّا ولا أبًا.. السّلاحِفُ الكَبيرَةُ في الفِناءِ لا تُكَلِّمُني..
وقالَ نعّوم مُقاطِعًا:
ـ اُسْكُتْ.. اُسْكُتْ.. قِطُّ الجيرانِ قادِمٌ..هلْ تَعْرِفُ ماذا قالتْ لنا أمّي؟ قالتْ لنا: اِبْتَعِدُوا عَنْهُ.. إنّهُ قِطٌّ شرِّيرٌ.. سأذْهبُ وأخْتَبئُ تَحْتَ جَناحِ أمّي فهي الّتي تَحْميني..
ـ 2 ـ
من قصص الأطفال - قصة: نَعُّوم وسَلْحُوف - تأليف: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
جاء القِطُّ بِسْبِسْ مُتَبَخْتِرًا، نَافِشًا شَعْرَ ذَيْلِهِ، كانَ يَنْظُرُ مِنْ بَعيدٍ بِشَرَاهَةٍ وقد سالَ لُعابُهُ، كانَ يَتَحيَّنُ الْفُرْصَةَ لِيَلْعَبَ مَعَ نعّوم لُعْبَةَ القِطِّ والفأْرِ فقدْ قَرَصَهُ الْجُوعُ. قاقَتْ الدّجاجةُ بِغَضَبٍ كيْ لا يَقْتَرِبَ مِنْ فِراخِها، فقَعَدَ قَرِيبًا، يَلْحَسُ شَعْرَ فَرْوَتِهِ.
أطلَّ أَحَدُ الْكَتاكيتِ ثمّ اِخْتَبَأَ قائِلاً:
" ماما.. ماما.. أنا خائِفٌ .. بِسْبِسْ يَنْظُرُ إلَيْنا.."
طَمْأَنَتْهُ أُمُّهُ وقالتْ بِحَنانٍ مُسْتَفيضٍ:
" لا تَخافُوا يا أحْبَابِي.. لَنْ أسْمَحَ لِبِسْبِسْ الماكرِ أنْ يَمَسَّ ريشَةً واحِدَةً مِنْكُمْ .. أطِيعُوني ولنْ يَنالَكُمْ مكْرُوهٌ.."
ـ 3 ـ
سارَ سلْحُوف مفكِّرَا:
" لا أعْرِفُ مَنْ أبي ومنْ أمِّي.. أنا أشْعُرُ بالْوِحْدَةِ.. نَعّوم يَنْعَمُ بحضنِ أمِّهِ وعائِلتِهِ.. أمّا أنا فالسّلاحِفُ تمرُّ أمامي ولا تُخاطِبُني.. "
قَطَعَ عَلَيهِ بسبس أفْكارَهُ وتقدّمَ منْهُ وأخذَ يَتَشَمَّمُهُ، ولكنَّ سلحوف كانَ أسْرَعَ منْهُ، فأدْخَلَ رأْسَهُ في دَرَقَتِهِ، وقالَ هازئًا:
" سَلْحوف لا يخافُ أيُّها القِطُّ الخائِبُ.."
ـ 4 ـ
من قصص الأطفال - قصة: نَعُّوم وسَلْحُوف - تأليف: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
بَعْدَ أنْ ذَهَبَ القطُّ بسبس توجَّهَ، سلحوف إلى قُنِّ الدّجاجَةِ الحمراءِ ونادَى صَديقَهُ في هَمْسٍ:
ـ هلْ أنتَ نائِمٌ ؟
اِنْتَبَهَ نَعُّوم، وأسْرَعَ نحْوَ الصَّوْتِ، نهَرَتْهُ أمُّهُ لكنَّهُ لمْ يُبالِ بكلامِها وسألَ سَلْحوف:
ـ هلْ ذَهَبَ بسبس؟
وأجابَ سلحوف باستغرابٍ:
ـ ذهَبَ بسبس.. هلْ تخافُ من هذا القطِّ؟
وقالَ نعّوم مُتَحَديًّا:
ـ كُلُّ الكتاكيتِ تخافُ من بسبس.. أمّا أنا فلا أخافُهُ لوْ يَقْتربْ منّي أنْقُرهُ وأفْقأ عَيْنَهُ وأُرْدِهِ قتيلاً...
شَرَعَ الصَّديقان في السَّيْرِ وهما يتجاذبانِ أطْرافَ الحديثِ، وقال سلحوف لِنَعّوم:
ـ أنتَ لا تُشبِهُ بقيّةَ الكتاكيتِ..
ـ ها.. ها.. نعم.. عُنُقي بدونِ ريشٍ.. أمّي قالتْ لنا أخوكُم يُشبِهُ النَّعامَةَ.. ضَحِكَ إخْوَتي وصاحُوا مَعًا: " نعّوم.. نعّوم.. وسَمّوني نعّوم.."
وقالَ سلحوف مُعَلّقًا:
ـ كم أغْبِطُكَ يا صديقي نعّوم.. لك أسرةٌ ولك إخوةٌ.. أمّا أنا فوحيدٌ..
قالَ نعّوم:
ـ هلْ تَعْرِفُ أنّكَ بطيءٌ جدًّا ؟
ـ الجميعُ يقولُ ذلكَ.. أنا لا أحبُّ السُّرْعَةَ.. أريدُ أنْ أتفرَّجَ على العالَمِ على مَهَلٍ..
وخَطَرَتْ على بالِ نعّوم فِكْرَةٌ فقالَ:
ـ سلحوف هلْ تسْمَحُ لي أنْ أرْكَبَ على ظهرِكَ قليلاً ؟
ـ هيّا اِرْكَبْ.
رَكِبَ نعّوم وهو يَضْحَكُ وأخذ يصيحُ:
" هيّا أَسْرِعْ.. أسْرِعْ حتّى نَرْبَحَ السِّباقَ.."
من قصص الأطفال - قصة: نَعُّوم وسَلْحُوف - تأليف ورسوم: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
وأجابَ سلحوف مُحْتَجًّا:
ـ لا تَسْخَرْ منّي.. جدّي الأكْبرُ غَلَبَ الأرْنَبَ المغرورَ، ورَبِحَ الرِّهانَ ونالَ الجائزَةَ..
ثمّ أضاف في حَمَاسٍ:
" سأحقِّقُ حُلْمِي الجميل.. سنخْرُجُ مِنْ هذا الفِناءِ إلى الْبَرَاري الواسِعَةِ.."
بلَغا نِهايَةَ الْفِناءِ وبدأ سَلْحُوف في اجْتِيازِ ما يَعْتَرضُهُ مِنْ عَقباتٍ بِكُلِّ عِنادٍ. وقال نعّوم وهو يَقْفِزُ يَمْنَةً ويَسْرَةً:
" الحُقُولُ أمامَنا مُتراميَّةٌ على امتدادِ الْبَصَرِ.. هَيّا بِنا.. "
ـ ها أنا قادِمٌ .. الحُريَّةُ في اِنْتِظارِنا..
رَفَعَ رِجْلَيْهِ الأمامِيَتَيْن، واشرأبَّ عُنُقُهُ نحْوَ السّماءِ، وتشبَّثتْ مَخاِلبُهُ بالحجارَةِ، وارْتَفَعَ جسْمُهُ الثّقيلُ قليلاً قلِيلاً، ولكنّهُ لمْ يُفْلِحْ، أعادَ الكرَّةَ ثانِيةً وثالِثَةً. إنّها صَخْرَةٌ عالِيَةٌ.. لنْ تُثْنِيَهُ ولنْ تَمْنَعَهُ مِنْ تَحْقيقِ حُلْمِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ هذا الفناءِ المُغْلَقِ..
من قصص الأطفال - قصة: نَعُّوم وسَلْحُوف - تأليف ورسوم: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
تَسَلَّقَ قليلاً وارْتَفَعَ جِسْمُهُ وسمِعَ نَعُّوم ينادِيهِ:
ـ هيّا أسْرِعْ.. لقد تَأخْرَنا..
بذلَ كُلَّ جُهْدِهِ لكنَ جِسْمَهُ الثّقيلَ غَلَبَهُ فسقَطَ واِنْقَلَبَ على الأرْضِ.
ـ ساعِدْني يا نعّوم.. ساعِدْني..
وفَجأةً ظَهَرَ مِنْ بَعيدٍ القِطُّ الشرّيرُ بِسْبِسْ على غَيْرِ انْتِظارٍ. وبدأ يتقدّمُ نحْوَهُما. أخْفى سلْحوف رأسَهُ وأرْجُلَهُ داخِلَ الدَّرَقَةِ، أمّا نعّوم فانتابَهُ الذُّعْرُ ولمّ يَدْرِ ما يَفعلُ مِنْ هَوْلِ المُفاجأةِ ثمّ أخَذ يَجْرِي طالِبًا النّجاةَ.
أخذ بسبسْ يَتْبَعُهُ مُمَنِيّا نفْسَهُ بِغَداءٍ شَهِيٍّ. تذكّرَ نَعّوم ما حَدَثَ لأخيهِ مُنْذُ يَوْمَيْن.. لقد تركَهُ بسبسْ كَوْمَةً مِنَ الرّيشِ. جرَى نعّوم على غَيْرِ هُدًى ولَحِقَ به بِسْبسْ، وضرَبَهُ ضَرْبَةً أفْقَدَتْهُ صَوَابَهُ، وأخذ نعّوم يصيحُ في رُعْبٍ، ولمْ يُبالِ القِطُّ بِتَوسُّلاتِهِ، وأخَذَ يُلاعِبُهُ بِمَخالِبِهِ الْحَادَّةِ.
وقالَ نَعّوم باكِيًا:
" لَيْتَني بَقيتُ معَ إخْوَتِي.. لَيْتَني أطَعتُ أمّي الْحَنُون.."
ـ 5 ـ
من قصص الأطفال - قصة: نَعُّوم وسَلْحُوف - تأليف: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
بَعْدَ يَوْمَين، تَخاصَمَ نَعّوم مع أخِيه ونَقَرَهُ في عَيْنِهِ وكادَ أنْ يَذْهَبَ بها، فغَضِبَتْ أمُّهُ غَضبًا شَدِيدًا وأرادَتْ أنْ تُعاقِبَهُ، فاختَبأَ في زاويَّةٍ ومَكَثَ هُناكَ حتّى نَسِيَهُ الْجَميعُ ثمّ خَرَجَ متَسَلِّلاً، وجد سلحوف في انتظاره فسألَهُ مُسْتَغْرِبًا:
"كيْفَ نَجَوْتَ يا صديقي؟ "
ابْتَسَمَ سَلْحوف وقالَ له:
ـ لقد نجوتُ.. لقد فَعَلْتُ كما تَفْعَلُ كُلُّ السّلاحِفِ عندما تنْقَلِبُ على ظهرِها، أخذْتُ أُخَبِّطُ بأرْجُلي لأِعُودَ إلى وَضْعي.. حاوَلْتُ وحاوَلتُ إلى أنْ نَجَحْتُ.. وأنْتَ ماذا فَعَلَ بِكَ بسبس ؟
وقال نعّوم حَانِقًا.
ـ كِدْتُ أنْ أمُوتَ بِسَبَبِ طَيْشِكَ..
ـ ماذا حَدَثَ؟ اِرْوِ لي ما حَدَثَ.. نحن صديقان..
ـ هجَمَ عليَّ بسبسْ بِقُوَّةٍ.. أرادَ أنْ يَغْرِسَ مَخالِبَهُ في جِسْمِي.. فدافَعتُ عنْ نَفْسي بكُلِّ بَسالَةٍ، ولَقَّنْتُهُ دَرْسًا لَنْ يَنْساهُ.. ولمّا جاءَتْ أمّي لِمُساعَدَتي رأتْ القِطَّ يَتَلوَّى مِنَ الألَمِ فطَرَدْتُهُ شرَّ طَرْدٍ.
ضَحِكَ سلحوف غيرَ مُصَدِّقٍ وقالَ:
ـ هيّا بنا إلى مُغامَرَةٍ جديدَةٍ.
ـ لا.. لا.. لنْ أذهَبَ قبْلَ أنْ أقْضِيَ على القطّ بسبسْ الشرّير.
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتب: مالك الشويّخ يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: مالك الشويّخ وقصص الأطفال وقصص اليافعين.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم نشر القصة والرسوم بطلب من صاحبهما: أ. مالك الشويّخ.
-------------------------------------