من قصص الأطفال:
قصة: رِحلَة مَع قَطرَات المَطَر
تأليف: شاكر صبري
تدقيق: كريمة الغربي
|
سامِرٌ طِفْلٌ ذَكِيٌّ و نَشيطٌ، يُحِبُّ التَّطَلُّعَ دائِماً لما هو جَديدٌ، كَما أَنَّهُ يُحبُّ الْمَعْرِفَةَ.
ذاتَ يَوْمٍ، جَلَسَ سامرٌ في حَديقَةِ مَنْزلِهِ، فشاهَدَ السَّحابَ يَتحرَّكُ في السَّمَاءِ بألوانه وأشكاله الْمختلفة.
تعجَّبَ سامِرٌ، حَكَّ رَأْسَهُ وتمتم: لَعَلّي أتَوَهَّمُ ذَلِكَ! ولَكِنَّهُ تَأَكَّدَ أنَّ السَّحابَ فِعْلاً يَتَحَرَّكُ.
في الغد، كانَ الْجَوُّ شتويّا والسّماء مُلَبَّدة بالْغُيومِ الْرّماديّة الْكثيفة. تأَمَّلَها الْولد وهي تتَحَرَّكُ بِبُطْءٍ وتمنّى بصوت مسموع: لَيْتَنِي أَسْتَطيعُ أنْ أَطيرَ معَها! وسُرْعانَ ما أَخَذَتْهُ سِنَةُ من النَّوْمِ.
رأى سامِرُ نَفْسَهُ يَطيرُ ويَصْعَدُ إلَى أَعْلَى حتَّى وَجَدَ نَفْسَهُ في مَكَانٍ شَاهِقٍ، فاعتلى ظَهْرِ إحْدَى الغَيْماتِ الّتي كانَتْ تَتمشّى بالجوار وقالَ لَها: إلَى أَيْنَ تَتّجِهين أَيَّتُها الْغَيْمَةُ؟
|
قالَتِ الْغَيْمَةُ: قَبْلَ أنْ أُجيبَكَ علَى سُؤالكَ سَأَشْرَحُ لَكَ كَيْفَ تَكَوَّنْتُ:
بارْتِفاعِ دَرَجَاتِ الْحَرارةِ النَّاتِجَةِ عنْ أَشِعَةِ الشَّمْسِ، يَتصاعَدُ بُخارُ الْماءِ منْ الْأَرْضِ و الْبِحارِ والْأَنْهارِ، لِيَتَجَمَّعُ بكثافة في طَبَقاتِ الْجَوِّ الْباردة الْعُلْيا و منه يَتَكَوَّنُ السَّحابُ علَى شَكْلِ كُتَلٍ متفاوتة الْأحجام ثمّ تَدْفَعُنا الرِّياح حين تهبّ. كَما تبيّنتَ،إذن أَنا أتَنقّل معَ سرعة الْرِّياحِ.
حينها شَعَرَ سامِرٌ بتغيير مفاجئ في الطّقس لقدْ اِزْدادَ الصّقع، نَظَرَ حَوْلَهُ فَوَجَدَ تَجَمُّعاً كَثيفاً للسَّحابِ، ثمّ بدأت الغَيْمَةُ الّتي يَعْتَليها تَتَحَوَّلُ إلَى رذاذ. نزلت الْغيمة من الفضاء الرّحيب، في هيئة زخّات متجهة بانتظام نحو الأَرْضِ.
|
هبَطَ سامِرُ مَعَ قطرات الْمَطَرِ. كانَ في غايَةِ السَّعادَةِ. وهو على ذلك الْحال الْعجيب، سَأَلَ إحداها في اِبتهاج: إلى أينَ تَسيرين بي يا قطرات المَطَرِ؟
أجابت: سَوْفَ أَهْبِطُ إلَى أعماق الأَرْضِ لأَسْقِي الزَّرْعَ.
ولتعلم يارفيقي، أنّ هُناكَ أَنواع من الأمْطارِ تَهطل بِغَزَارَةَ فَوْقَ الهِضابِ المُرْتَفِعَةِ لِتُكَوِّنَ شلاَّلاتٍ وعيونا، تمدُّ الأَنْهارَ والبُحَيْراتِ بالمياه الْعذبة، ويَجْرِي الماءُ في الوديان أيضا، وتَقومُ الحَياةُ علَى ضِفَّتَيْهِ: يَشْرَبُ الِإنسانُ والحَيوانُ وترتوي مِنْها الْأشجار والْأعشاب، أمّا ما يَفيضُ فيَصُبُّ في البَحْرِ، ثمَّ تتكرر الْعمليّة تلقائيا في الطّبيعة كما وصفتُ لكَ.
|
وما إن أكملت حديثها حتّى اِستفسرها سامِرُ: ولَكِن إلَى أَيْنَ تَتَّجِهينَ أَنْتِ، أَيَّتُها القطرةُ الْمليحةُ؟
قالَتْ: أتّجه نحو الْبساتين والْحدائق لِأَسْقِي النَّباتَ الْمزروعَ فَهُو في أَشَدِّ الحاجَةِ إلَيَّ. فالنَّباتُ مثلَ الإنْسانِ وكُلِّ الكائِناتِ الحَيَّةِ لاغنى لها عَنّي أَنا مصدر الْحياة.
تابع سامِرُ رحلته معَ قطرات المَطَرِ، حتَّى وَصَلَ إلَى الأَرْضِ لاحظ أنّ التُّرْبَةِ الْجافَّةً قدْ تبَلَّلَتْ، وعندما غمرتها المياه أَصْبَحَتْ ملساء بلا تَشَقُّقاتٍ.
تَنَبَهَّتْ جُذور النَّباتات الذّابلة، وأخذت تَمْتَصُّ قطرات المَطَرِ، وقدْ ذابَتْ فيها الأملاح المعدنية وبعض العناصر البيولوجية الْموجودة والْمكوّنة للتُّرْبَةِ، فَأَيْنَعَتْ أوراقها وانْتَعَشَتْ.
بحَثَ سامِرُ عنْ قطرات المَطَرِ فَلَمْ يَجِدْها، لَقَدْ ذَابَتْ كليّا وامتزجت في مَحْلولِ التُّرْبَةِ. إستنتج الطّفل: لقد امْتصَّتها الجذور العطشى دون شكّ.
وَاِسْتَيْقَظَ سامِرُ فور ما سَقَطَتْ علَى رَأْسِه الْرذّات الْأولى من الْمَطَرِ، معلِنة قدوم غيثٍ نافعٍ وفيرٍ.
نَهَضَ في خفّة ونشاط. نَظَرَ بِفَرْحَةٍ إلَى السَّمَاءِ الْمُكْفَهِرّةِ وقالَ: أَمْطِري يا سَماءُ كَما شئت فَلَقَدْ عَلِمْتُ أعظم أسراركِ.
|
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتب: شاكر صبري يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: شاكر صبري وقصص الأطفال وقصص اليافعين وشعر وأناشيد.
---------------------------------------------
لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------
تم نشر القصة بطلب من كاتبها: أ. شاكر صبري.
---------------------------------------------