من قصص الأطفال:
قصة: الصَّدِيقتان
(قصّة مقتبسة من التراث)
تأليف ورسوم: مالك الشويّخ
من قصص الأطفال - قصة: الصَّدِيقتان - قصّة مقتبسة من التراث - تأليف ورسوم: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
ــ 1 ــ
كانت الغابةُ هادِئَةً. لا يُسَمَعُ سوى صوتُ الجنادبِ رتيبًا وزقزقة بعيدة، في تلك اللحظة، خرجتْ نَمُّولة الكحلة تبحثُ عنْ قُوتِها وقُوتِ أخواتِها، فلا وقتَ لديها تُضَيّعُهُ، بحثتْ هنا وهناك إلى أنْ وجدتْ ضالّتَها، كانتْ الحبّةُ التي وجدتْها مُمتلئةً ذهبيَّةَ لامعةً فقالـتْ في حماسٍ:
ــ يا ربّي أعنّي، فهي قمحةٌ ثقيلةٌ.
عضَّتْ عليها بأسنانِها، أفْلَتَتْ منها، فأعادتْ الكرَّةَ ثانيةً وثالثةً، وأخيرا أمسكتْها بما تملكُ منْ قُوّةٍ وهي تقولُ في نفسِها:
ــ لنْ أفْلِتَها مهما كلَّفَني ذلك، إنّها طعامُنا لفصلِ الشّتاءِ.
تَعِبتْ النّملةُ وتصبّبَ العَرَقُ من جبينها فتوقّفتْ قُرْبَ غديرٍ لِتَرْوِيَ عطَشَها.
اِقْتَرَبَ عصفورٌ منها رجاها أنْ تُعطيَهُ القمْحَةَ لأنّه جائِعٌ فرفضَتْ بشدَّةٍ ودعَتْهُ إلى البحثِ عن الطّعامِ بنفْسِهِ، أرادَ أنْ يأخُذَ قمْحَتَها فصاحَتْ في وجْههِ:
" اِذْهَبْ.. إذهَبْ.. طِرْ من هنا ابحثْ عن طعامك بنفسِك، إنّها قمحتي قوتي وقوتُ أخواتي. اِذْهَبْ.. طِرْ بعيدًا.."
تشبَّثتْ بالقمحةِ دَحْرجتْها فطارَ العصفورُ الخفيفُ وابتعَدَ عنها.
ــ 2 ــ
اقترَبَتْ نمّولة من الغدير لتشرب لكنّها تراجعتْ وهي تسمع دويّا من بعيد فقالتْ في نفسها:
ــ من القادمُ يا ترى ؟ من أتى ليُعكّر صفو الغابة، لا شكّ أنّه صيّادٌ جاء ليطلق النّار ويُروّعَ الحيواناتِ الآمنةَ فهوايتُهم المُفضّلةُ قتلُ الحيوانات البريئة وسفك دمائها.
عادتْ نمّولة إلى الغدير بعد أنْ هدأتْ نفسُها، وشَرِبَتْ ماءً سلسبيلا حتّى اِرْتَوَتْ ثمّ أخــــــذتْ تنظُرُ إلى وجْهها البهيِّ في الماءِ، وفجأة "بلوب" سقطتْ وصاحَتْ بأعلى صوتِها:
" النجدة.. النجدة.. أنقذوني.. أنْقذوني..إنّي أغرقُ.."
حرَّكتْ أرجُلَها بقوّةٍ، حطّ العصفورُ بالقرب منها، نادتْهُ وطلبتْ منه أنْ يمدَّ لها يدَ المُساعدةِ لم يُبالِ باسْتغاثتِها، نظر إليها شامِتًا، لقد كان همُّهُ أنْ يحصلَ على القمحةِ غيْر أنّهُ لم يجدْها فقد أخفتْها نمّولةُ بعنايةٍ قبل أنْ تتوجَّه إلى الغديرِ، يئِس العصفورُ فطار عاليا وتركها تُخبّط بأرجلها الضّعيفةِ.
من قصص الأطفال - قصة: الصَّدِيقتان - قصّة مقتبسة من التراث - تأليف ورسوم: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
ــ 3 ــ
في الأثناءِ كانتْ اليمامةُ النوّاحَةُ تُحلّق في تلك الناحية وهي تصيح:" هو هو هو هوو.." كانتْ الغابَةُ ساكِنَةً فسمعتْ نداءَ الاستغاثةِ، وسُرعان ما توجَّهَتْ نحو مصدَرِ الصّوتِ، حطّتْ قُرْبَ الغَديرِ رأتْ النملةَ تسْتغيثُ ولا مُغيثَ، تلفَّتَتْ يمنةً ويسرَةً وهي تقولُ:
" ماذا أفعلُ ؟ إنّها نملةٌ مسكينةٌ.. إنّها مهدّدةٌ بالموْتِ غرقًا عليّ أنْ أُنقِذَ حياتَها.." وجدتْ عودا مُلْقًى فأسرعتْ وحملتْهُ بمنقارها ومدّتْهُ إلى النّملةِ وصاحتْ:
ــ هيّا.. يا صديقتي.. هيّا لا تخافي، تشجّعي تعلّقي بالعود..
لمْ تنجحْ نمُّولةُ الكحلة في المرّة الأولى فمدّتْ لها العودَ مُجدّدًا فأفلَتَتْهُ وتيقّنتْ من الهلاكِ، لم تيأسْ اليمامةُ ولم تستسلِمْ هكذا علّمتها الحياةُ في الغابةِ، فقرّبتْ العودَ إلى نمّولة فاستجمعتْ كلّ قوّتها وتعلّقتْ به. رأتْ العودَ يحملُها إلى اليابسة لم تُصدِّقْ نفسَها لقد نجتْ من موتٍ مُحقَّقٍ.
ــ 4 ــ
جذبتها اليمامةُ بحذرٍ شديدٍ. كانتْ مبتلّةً ضعيفةً خائرةَ القوى، ورغم ذلك فتحتْ عينيْها ونظرتْ إلى اليمامةِ بامتنانٍ وقالتْ:
ــ شُكرا لك أيّتها اليمامةُ لقد أنقذتني من الغرقِ. إنّي مدينةٌ لكِ بحياتي.
طمأَنَتْها اليمامةُ وقالتْ لها في حنانٍ: " كوني دائما حَذِرةً يا صديقتي.. الخطرُ يتهدّدنا في كلّ حينٍ في هذه الغابة.. الحذرُ واجبٌ في كلّ خطوةٍ نخطوها.." أجابتها النّملةُ شاكرةً:
ــ أرجو أنْ تقبلي صداقتي وأنْ تأخذي هذه القمحةَ عُرْبونَ حُبٍّ وصداقَةٍ.
امتنعتْ اليمامةُ عن أخذِ القمحةِ لأنّها تعرفُ ما بذلتهُ النملةُ من مشقّةٍ للحصول عليها، وقَبِلَتْ صداقتَها فهي ثمينةٌ أكثر من الْقمح جميعًا. قالتْ اليمامةُ:
" وداعا يا صديقتي، فراخي ينتظرون قدومي بفارغ الصّبرِ هو..هو..هو..هوو..."
ــ 5 ــ
كانت الغابةُ ساكنةً سكونًا غريبًا. كان صوتُ الجنادبِ رتيبًا ازززز. وفجأةً قطعَ صوتٌ هادِرٌ السّكونَ، وظهر من بعيدٍ خيالٌ أسودُ ضخْمٌ، وسُمِعَ صَوتُ خُطىً ثقيلَةٍ قويَّةٍ شديدةٍ تردّدَ صداها في أرجاءِ الغابة: دف.. دف.. دف.. دف.. وظهرَ بيْن الأشجار الكثيفة صيّادٌ ضخمُ الجثّة قويُّ البنيان يرتدي بدلةً في لون التّرابِ ملطخَةً ببُقَعٍ خضراءَ فاتحَةٍ وداكِنَةٍ، ووضعَ على رأسه قُبّعَةً غطَّتْ كُلَّ وجْهه، والتمعتْ حاملَةُ الخراطيشِ في حِزامِهِ.. تقدّمَ الصيّادُ بخُطى ثقيلَةٍ.. أرهَفَ السّمعَ، نظر حواليْه نظر إلى الأسفل نظر إلى الأعلى. تعلّق بَصَرُهُ بنخلةٍ سامقةٍ، وسَمِعَ هديلَ اليمامةِ النوّاحةِ هو..هو..هو..هوو.. رفَعَ بندقيّتَهُ وصوّبَ الفوهَةَ إلى الأعْلَى وأخذ يضغطُ على الزّنادِ رويدًا رويدًا. ضغَطَ بسبّابَتِهِ لِيفوزَ بصيْدٍ ثمين وقبل أنْ يُطلِقَ النّارَ، صاحَ صيحَةً عظيمةً تردّد صداها في أرجاءِ الغابةِ وفقد توازنه وسقط على الأرض لقد عضّتْ نمّولةُ الكحلة رجلَهُ لِتُنْقذَ صديقتَها اليمامة.
فقدَ الصيادُ صوابَهُ، ودوّى صوتُ البندُقيّةِ فعكّرَ صفوَ الغابَةِ وصفو الحيواناتِ. طارتْ اليمامَةُ من أعلى النّخلةِ فَرِحَةً بالنّجاةِ. لقد أنقذتْ صديقتُها النّملةُ حياتَها من موتٍ مُحقّقٍ وقالتْ اليمامةُ النوّاحةُ في نفسها:
ــ يا ويلي لقد نسيتُ الحذرَ وكدتُ أموتُ مُصْطلِيةً بنار بندقيةٍ غدّارَةٍ.
من قصص الأطفال - قصة: الصَّدِيقتان - قصّة مقتبسة من التراث - تأليف ورسوم: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
حملَ الصيّادُ بندقيَتَهُ على كتفِه وغادرَ المكانَ مُنكَسِرَ الخاطرِ وهو يجرُّ أذيالَ الخيبةِ، وارتفعَ صوتُ حذائه ثقيلا دف.. دف.. دف.. دف..
ابتهجتْ نمولةُ الكحلةُ بنجاةِ اليمامةِ:
ــ الحمد للّه لقد نجتْ صديقتي اليمامة كان عليّ أنْ أحذّرها عندما سمعتُ وقع أقدامه لقد نجتْ بأعجوبةٍ، والآن هيّا إلى العمل..
من قصص الأطفال - قصة: الصَّدِيقتان - قصّة مقتبسة من التراث - تأليف ورسوم: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
دفعتْ نمّولةُ الكحلةُ قمحَتَها إلى الأمام بقوّةٍ وعزيمةٍ وأخذتْ تغنّي مبتهجةً:
غنّوا معي قولوا معي: يحيا العمل.. يحيا العمل..
ودحرجتْ القمحةَ الثقيلةَ غير مكترثةٍ بالعصفور وهو يطيرُ قريبا منها منتهزا الفرصةَ ليأخذ قمحتَها.
عمَّ السّكونُ الغابةَ، فلا تسْمَعُ سوى أصواتَ الجنادبِ رتيبًا وحفيفَ أغصان الأشجار وهي تتمايلُ نشوانةً، وارتفعَ تغريدُ الطيور من بعيدٍ صادحَةً في فرَحٍ.
من قصص الأطفال - قصة: الصَّدِيقتان - قصّة مقتبسة من التراث - تأليف ورسوم: مالك الشويّخ - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتب: مالك الشويّخ يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: مالك الشويّخ وقصص الأطفال وقصص اليافعين.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم نشر القصة والرسوم بطلب من صاحبهما: أ. مالك الشويّخ.
-------------------------------------