من المجموعات القصصية لليافعين:
قصة: الثعلب الذي تميّز (2)
من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة
تأليف: عماد كوسا
حكاية مقتبسة من التراث الشعبي
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
على أطرافِ قريةٍ جميلةٍ حيثُ تمتدُّ أشجارُ الزيتون نحو الأفق من جهةٍ، وترتفعُ قممُ الجبال إلى عَنان السماء من جهةٍ أخرى، كان كوخُ الجدّة يبدو غارقًا في القدم، ويحتاج إلى إصلاحِ جدرانه وسقفه المهترئ قبل أن يحلّ الشتاء.
لكنَّ أنواعَ الأشجار خلفَه، وتنوّعَ ألوان الورد حولهُ، وروائحَ الياسمين والنرجس والرياحين التي تفوح من جوانبه، تجعلُ منه قصـرًا يشتهي كل إنسانٍ أن يسكنه.
كانت الجدةُ تعتني بحيواناتها الأليفة؛ فقد كان عندها عددٌ كبيرٌ من الدجاج، وبقرةٌ بنيةُ اللون، وعنزتان ذواتا شعرٍ أسود، وقطّةٌ مخطّطةٌ باللون الرمادي والأسود. وكان يزورُ الجدةَ من حين إلى آخر ثعلبٌ جريءٌ ذو لون رائع، حيث كانت الجدّةُ تعطف عليه وتطعمه وتسقيه.
قال الثعلبُ للجدّة ذات يوم:
أنتِ جدّةٌ رائعةٌ وسوف أقومُ بخدمتك.
قالت الجدّةُ:
حقًا أصبحتُ بحاجةٍ إلى من يساعدني.
قال الثعلبُ وهو يبتسم:
ما عليكِ إلا أن تصفِّقي بيديكِ وتصيحي (برق ... برق) حتى أكون بين يديك بسرعةِ البرق.
أرادت الجدّةُ أنْ تختبرَ أمانةَ الثعلبِ فقالت له:
إذًا ادفع بالدجاجاتِ إلى الخُمِّ، وأغلق بابه بحجرٍ كبير.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
أسرعَ الثعلبُ إلى مهمّته نشيطًا، وراح يركضُ خلفَ الدجاجات ويصيحُ بصوتٍ عالٍ (هيا إلى الخمّ بسرعة قبل أن يحلَّ الظلام).
في المساء وقبلَ أن تخلُدَ الجدّةُ إلى النوم، ذهبت لتتفقَّد خُمّ الدجاج فوجدت أنَّ الثعلبَ نجحَ في مهمته، وجمع كلَّ الدجاجات في الخم، لكنّه لم يُحكم إغلاق البابِ جيدًا، فصفَّقت بيديها ونادت: (برق... برق)، فوثب الثعلب مسـرعًا، ووقفَ بين يديها وهو يحرِّك ذيله.
قالت الجدةُ:
شكرًا لك أيها الثعلب فقد نجحتَ في مهمتك.
قال الثعلبُ:
لا شُكرَ على واجبٍ أيتها الجدةُ، أنا رَهْنُ إشارتك.
قالت الجدةُ:
حسنًا، لكنّك لم تُحكم إغلاقَ باب الخم جيدًا.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
قال الثعلبُ وهو يتنحنح:
آه! حقًا؟ نسيت أن أخبرك أنني لم أستطع دفعَ الحجر أكثر من ذلك.
قالت الجدةُ:
لكنَّ هذا سوفَ يسمحُ للدجاجات بالخروج من الخم، أو للثعالبِ والكلابِ بالدخول.
قال الثعلبُ: سوفَ أحرسُ الخمّ حتى الصباح.
قالت الجدةُ وهي تبتسم: حسنًا تفعل.
وأحكمت الجدة إغلاقَ بابِ الخم وذهبت للنوم.
وفي الصباح كانت الجدةُ قد جهَّزت نفسها للسَّفر إلى قريةٍ بعيدةٍ لتهدي سلةً من البيض لحفيدتها التي تسكنُ هناك مع زوجها وأولادها. وقبل أن تغادر كوخها، جاءَ الثعلبُ فوجدَ الجدةَ تهمُّ بالسفر فقال لها:
إلى أين تذهبين أيتها الجدّة؟
قالت الجدةُ:
سوفَ آخذُ هذه السلةَ إلى حفيدتي في القريةِ الواقعةِ خلفَ الجبل.
قال الثعلبُ:
لكنّ المسافة طويلةٌ جدًا، وقد تكون السلةُ ثقيلة، ربّما لا تستطيعين حملها.
قالت الجدةُ:
صدقتَ، لكنْ لا أحد آخر يوصلُ السلةَ لحفيدتي.
قال الثعلبُ:
أنا آخذها، ولكن ما الذي في داخلها؟
قالت الجدةُ:
فيها كميةٌ من الجوز القاسي.
مضى الثعلبُ بالسّلة مسرعًا، في حين انصرفت الجدةُ إلى عملها وهي سعيدةٌ بوجود من يريحها من هذا السفر.
عادَ الثعلبُ بعد ساعات إلى الجدّةِ وقال لها:
- أيَّتها الجدّةُ إنَّ حفيدَتَكِ تشكُرُكِ كثيرًا، ولكنّها وجدتْ في السّلة بيضًا ولم تجدْ جوزًا.
قالت الجدّةُ:
آه! يبدو أنني أعطيتكَ سلةَ البيض بدلًا من سلةِ الجوز.
وشعرت الجدَّةُ بالغِبطةِ والطمأنينة وقرّرت أنْ تعتمدَ على الثعلب في كل شؤونها.
وأصبحَ الثعلبُ مشغولًا بالأعمال التي تطلبها منه الجدّة، فقد كان يقوم باصطحاب العنزات إلى المراعي، ويشرفُ على دخولِ الدجاجاتِ وخروجها مِنَ الخم، ويجمعُ البيضَ، ويرافق الجدّة إلى سوق القرية لبيع سلالِ البيضِ والجبن واللبن. ويحمل ما تعجز الجدّةُ عن حملهِ في الرحلة الشاقة.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
وذاتَ يومٍ كانت الجدّةُ تعدُّ الدجاجات: (واحدة... اثنتان... ثلاث... أربع...) آه! هناك دجاجاتٌ غائبةٌ. وصفّقت الجدة بيديها ونادت:
(برق... برق).
ولمّا حضرَ الثعلبُ قالت له غاضبةً:
أينَ باقي الدجاجات أيها الثعلب؟
قال الثعلبُ وهو يلتفت يمنةً ويسرة ويحك رأسه: هذه هي كل الدجاجات أيّتها الجدّة، ولا توجدُ دجاجاتٌ أخرى.
قالت الجدةُ:
لا، بل عندي دجاجات أخرى لا أراها هنا. دجاجتي البيضاء المخططة بالرمادي، ودجاجتي السوداء، ودجاجتي البنية التي تصيح بقوة قبل أن تبيض.
قاطعها الثعلبُ وهو يحرك ذيله:
لكنّي أقوم بحراستها، ولا يمكن أن يسرقها أحدٌ.
عادت الجدةُ إلى الكوخ وهي تشكّ في أمر الثعلب، وتقول لنفسها:
(كيف أثق بثعلبٍ ماكرٍ)، وقررت أن تراقبه عن كثبٍ باستمرار.
لم يعرف الثعلبُ أنَّ حفيدةَ الجدّةِ جاءت اليوم لزيارتها، فقد كانَ يمرحُ في الغابة مع رفاقه الثعالب، ويتباهى بالمكانةِ الرفيعةِ التي يحظى بها عند الجدّةِ، ويخبرهم بما يحصلُ عليه من دجاجٍ طريٍ، وبيضٍ وعسلٍ لذيذ. وكانَ جميعُ رفاقه يحسدونهُ على ذلك.
قالت الجدّةُ لحفيدتها:
كيف وجدتِ البيضَ الذي بعثتهُ لكِ مع الثعلب؟
تفاجأت حفيدتها وقالت:
أيُّ بيضٍ وأيُّ ثعلب؟
قالت الجدّةُ لحفيدتها:
ألمْ يُحضِر لكِ الثعلبُ سلةَ البيض؟
أجابت حفيدتها:
كلا.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
قالت الجدّةُ:
ولا سلةَ الجبن؟
أجابت حفيدتها:
كلا.
قالت الجدّةُ:
لكنّي بعثتُها لكِ.
أجابت حفيدتها:
لمْ يصلني شيءٌ يا جدتي. وغابت أخبارك عني فأتيت لأطمئن عليكِ.
غضبتْ الجدةُ غضبًا شديدًا ولامت نفسها إذ وثقت بهذا الثعلب الذي لم تختبره جيدًا، وعزمت على أن تعلمهُ درسًا لا ينساهُ أبدًا.
طبختْ الجدّةُ كميةً من السُّكر مع الماءِ وملح الليمون، حتى تعقّد وأصبح كالعسل، ووَضَعَتْهُ في الجَرّة، وانتظرت عودة الثعلب.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
وعندما لمحته قادمًا يختال بذيله، ويقترب من الكوخ صفّقت بيديها ونادت:
(برق... برق)، فحضرَ الثعلبُ مسرعًا، وهو يقول:
اعذريني أيتها الجدة، كان عليّ أن أزور أصدقائي.
قالت الجدةُ وهي تنظر إليه بطرف عينها:
حسنًا فعلتَ أيها الثعلب، لقد أحضرتُ لك اليومَ عسلًا لذيذًا.
وأخذتْ تصبُّ العسلَ من الجرّةِ على صخرةٍ مسطحةٍ وهي تقول:
هذا من أجلكَ أيّها الثعلبُ النشيط.
راح الثعلبُ يلعقُ بشراهـةٍ وهو مسـرورٌ جدًا. وفي هذه الأثناء، أفرغت الجدّةُ الجرّة على ذَنَبه مِنْ دون أنْ يشعرَ.
ولمّا انتهى الثعلبُ وأرادَ أن يذهبَ، لم يستطع أن يتحركَ من مكانهِ؛ فقد كان ملتصقًا بالصخرة. وحاول أنْ يشدّ نفسهُ بقوةٍ إلا أنّهُ شعرَ بالألم الشديد، فطلبَ من الجدة أن تساعده.
قالت الجدّةُ:
سوفَ أساعدك أيُّها الثعلبُ وأحرّركَ من هذهِ الصخرةِ.
وراحت تنادي حفيدَتها.
خرجت حفيدَتُها مِنَ الكوخِ وفي يدها فأسٌ.
صاحَ الثعلبُ مذعورًا:
ماذا ستفعلين أيّتها الجدّةُ؟
قالت الجدّةُ:
لابدّ من أنْ أقطعَ ذَنَبك حتى تتحرّرَ من هذه الصخرةِ.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
توسّلَ الثعلبُ إلى الجدّة ألا تفعل ذلك، لكنّ الجدةَ قالت له:
سوف آخذُ ذَنَبك ثمنًا لسلالِ البيضِ التي سرقتها.
التفتَ الثعلبُ إلى الحفيدة يناشدُها كي تساعدهُ، لكنّها تركته وهي تقول:
لابدّ من أنْ ينال المخادعُ عقابه. وهَوَتْ الجدّةُ بالفأسِ على ذَنَبِ الثعلبِ فقَطَعَتهُ، وأخذَتْهُ إلى الكوخِ، بينما تحرّرَ الثعلبُ من الصخرة، وفرَّ هاربًا إلى الغابةِ.
تجمّعت الثعالبُ حوله بكثرةٍ وبدأت الأسئلةُ الساخرةُ تنهالُ عليه:
أين أضعْتَ ذَنَبكَ يا صديقي؟
هل أكلهُ جرذٌ أم فأرٌ؟ هل قطعهُ لك كلبٌ شرسٌ؟
هل استشرى فيه مرضٌ عضالٌ فبتَرْتَه؟
حاولَ الثعلبُ أن يُخفيَ وجههُ عن رفاقه الثعالب، لكنّهُ كانَ يشعرُ بالذّل والهَوان والندم، ورفاقُهُ لا يكفّون عن السُّخريةِ منهُ وتحقيره.
تفاجأَ الثعلبُ في اليومِ التالي بأمرٍ خطيرٍ جدًا، لقد جاءَهُ عددٌ من الثعالبِ وقالوا له:
أيّها الثعلبُ، لقد قرّرنا معاشرَ الثعالبِ أنْ نلقيك في بئرِ الغابة، فلا يُشرّفنا أنْ يكونَ بيننا ثعلبٌ بلا ذَنَب.
ذُعِرَ الثعلبُ المسكين من هذا القرار، وبدأ يستعطفُ رفاقه، ويبرّر لهم ويصطنع لهم الحجج والأسباب.
إلا أنهم لم يعطوه فرصةً للعيش سوى يومٍ واحدٍ فقط. كان الثعلبُ في غايةِ الحزن والهلع، وبدا كأنَّ الخوفَ والندم سوفَ يقتلانهِ، لم يكن أمامَهُ سوى حلٍ وحيدٍ.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
في الصّباح الباكر غَدا إلى الجدّةِ وجَثَمَ أمامها بكلّ خُنوعٍ وتذلّل، لكنّ الجدّةَ تجاهَلَتْهُ كأنّها لا تراه، واقتربَ الثعلبُ منها وقال:
أيّتُها الجدّة إنّني أذنبت بحقك.
لكنّ الجدّةَ لم تجبه.
قالَ مجدَّدًا:
جئتُ أعتذرُ منك.
نظرت الجدّةُ إليه بازدراءٍ ولم تتكلم.
قالَ الثعلبُ باكيًا:
لقد أمهلوني يومًا واحدًا فقط لأستردَّ ذَنَبي، وإلا فسوف يقتلونني، أعيدي لي ذَنَبي وأنقذي حياتي أرجوكِ.
قالت الجدّةُ دون أن تنظر إليه:
وما شأني في ذلك؟ إذا قتلوك فإنّما يقتلون ثعلبًا ماكرًا مخادعًا.
انهالَ الثعلبُ على قدميها متوسلًا:
حياتي بين يديك أيّتها الجدّةُ الطيبة، أنقذيني أرجوكِ.
قالت الجدةُ وهي تدير وجهها عنه:
أَعِد لي سلّةَ البيضِ وسأسامحك بالباقي وأُعيدُ لك ذَنَبك.
فَغَرَ الثعلبَ فاهُ وقالَ مندهشًا:
كيفَ أُعيد لكِ سلةَ البيض؟
قالت الجدّةُ:
إيّاك أنْ تسرقها مِنْ أحد.
صاحَ الثعلبُ:
تبتُ عن السرقة والخداع!
قالت الجدّةُ بلا مبالاة:
الوقتُ يمضي، أَعِد لي سلّة البيض لأعيدَ لكَ ذَنَبك.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
بحثَ الثعلبُ عن الحفيدةِ كي تساعده، لكنّه لم يجدها، لقد انتهت زيارتها للجدّة، وغادرت بعد أنْ تركت للثعلب مفاجأةً لا تخطرُ ببالهِ أبدًا.
ركضَ الثعلبُ بأقصى سرعتهِ إلى الدجاج، وبدأ يشرحُ قصّته وهو يلهث:
أريدُ سلّةَ بيضٍ وإلا فسوفَ أموت.
قالت الدجاجات:
لكنك أكلت الكثير من صديقاتنا، وإذا متَّ يرتاح منك جميع الدجاج.
لاحَ للثعلبِ ما فعله بالدجاج وندم كثيرًا لأنه لم يحسبْ أيّ حسابٍ لهذا اليوم.
راحَ يشرحُ موقفَهُ وندمَهُ وتوبتَهُ عن أكلِ الدجاج؛ ولأنَّ الدجاج طيبٌ في طبيعته، فقد وافق على إنقاذ الثعلب بشرط:
أَحضِرْ لنا كيسًا من القمح لنُعطيكَ سلةَ البيض.
صاحَ الثعلب مذعورًا:
كيس من القمح؟
إنّ الوقتَ يمضـي بسـرعة، ركضَ بأقصى سرعته إلى الفلاح الطيب وشرحُ له قصّته:
أريد كيسًا من القمح وإلا فسوف أموت.
قال الفلاح الطيب:
كنتُ أنتظر قدومَك لأعاقبَك على سرقة العنب من كرمي، لكنني سأعطيكَ كيسًا من القمح بعد أن تحلِبَ بقرتي، وتجلِبَ لي الحليب.
مضى الثعلبُ إلى البقرة وشرحَ لها قصّتهُ:
أريد حليبًا وإلا فسوف أموت.
قالت البقرة:
أنت الذي أخفتني في المراعي، لكن لا بأس سأعطيكَ حليبًا بعد أن تجلب لي أوراق التّوت فإنني جائعة جدًا.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
كانَ الوقتُ يمضي سريعًا والثعلب يفقد قوّتهُ وسُرعتهُ. أعمالُه السيئة مع الآخرين وضعَتْهُ اليومَ في موقفٍ مُحْرج، لكنّه يتعلم منهم أشياء أخرى.
وقف عند جذعِ شجرةِ التوت لاهثًا، وقال بصوت متقطّع:
أريد أوراقكِ الخُضر وإلا فسوفَ أموت.
قالت الشجرةُ:
أعطيكَ أوراقي بعد أن ترويني من الماءِ العذب.
أسرعَ الثعلبُ إلى بئرِ الغابة، لكنّه لا يعرفُ كيفَ يُخرجُ الماءَ من البئر، وقفَ حائرًا، والوقت يمضي سريعًا، وشعرَ كأنَّ كلَّ تَعَبهِ سوف يضيعُ سدًى.
وفجأةً جاءت فتاةٌ رشيقةٌ، وبيدها جرّةٌ تريدُ أنْ تملأها منْ ماء البئر.
قالَ لها الثعلب متوسلًا:
أريدُ جرّةَ ماءٍ وإلا فسوف أموت. وبدأ يشرحُ لها قصّتَه بصوتٍ متقطعٍ مرتعش.
طلبَت الفتاةُ الظريفة منهُ أن يغنّي لها أغنيةً جميلةً حتى تعطيه جرةَ الماء.
جلسَ الثعلبُ ليأخذَ نفسًا عميقًا، إن الوقت يمضي، يحاول أن يتذكر أغنية ما، لكنه لم يكن يحفظ شيئًا.
صاحت الفتاة:
ألن تغني؟
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
نظر الثعلب إلى البئر، وأطلق لسانه لأول مرة يحاول أن يغني بصوت عذب:
أيُّها البئرُ الكريم
أيُّها الخِلُّ الحَميم
أعطني من فضلكَ
جُدْ عليّ بمائِكَ
أسقي بهِ شجرة
كبيرةً ورّاقةً
أسدُّ به رمقها
كي آخذ أوراقها
تحتاجُها بقرةٌ
كبيرةٌ جائعةٌ
عطوفةٌ كريمةٌ
تعطيني من حليبها
أعطيه للفلاح
وأطلب السماح
ما أجملَ السماح
ما أجملَ السماح
وأعودُ للدّجاج
بسرعةِ الرّياح
معي كيسٌ من القمحِ
عدتُ بسرعةِ الرمحِ
لآخذَ سلةَ البيضِ
إلى الجدّةِ في البيتِ
منْ ساعدني أنتِ
منْ أنقذني أنتِ
ما أجملَ السماح
ما أجملَ السماح
عادَ الثعلب بسلَّةِ البيضِ إلى الجدّة، فتفاجأت كثيرًا، وطلبت منه أن يخبرها كيف حصلَ على سلةِ البيض.
حكى الثعلبُ للجدّة ما حدثَ ففرحت الجدّةُ وقالتْ له:
لقد تركتْ لكَ حفيدتي مفاجأةً رائعةً.
وأسرعَتْ إلى الكوخِ، فأخرجتْ ذَنَبَ الثعلب مزينًا بشكل رائعٍ وبألوانٍ جميلةٍ مثلَ قوسِ قزح.
لمْ يصدّق الثعلبُ ما رآهُ، وكادَ يطيرُ مِنَ الفرح.
علَّقت الجدّةُ ذَنَبَ الثعلب في مكانه بعدَ أنْ عاهَدها ألا يكذبَ على أحدٍ، ولا يسـرِقَ ولا يخون أبدًا.
ومضى الثعلبُ مسرعًا إلى الغابة مختالًا ليلقى أصدقاءه.
تجمّعت الثعالبُ من جديدٍ وقد تفاجؤوا عندما رأوا ذَنبَ الثعلب المزين، فراحوا يسألونه:
مِنْ أينَ لكَ هذا الذنَبُ الجميلُ؟ مِنْ أينَ حصلتَ عليه؟
قال الثعلبُ:
لقد حصلتُ عليهِ من الجدة، بعد أن علّمتني درسًا لا أنساه أبدًا.
دنت الثعالب أكثر وهي معجبةٌ بذَنب الثعلب الجميل، بينما صاح الثعلب بصوتٍ عالٍ:
عدتُّ إليكم قبل أن تنقضي المدة.
قال كبيرُ الثعالب:
إذًا، أخبرنا ما هو الدرس الذي تعلمته من الجدّة.
وبدأ الثعلب يحكي لهم قصته قائلًا:
لقد علّمتني ألا أخون الأمانة أبدًا.
![]() |
من المجموعات القصصية لليافعين: قصة: الثعلب الذي تميّز (2) - من المجموعة القصصية لليافعين: شتاء القلوب الدافئة - تأليف: عماد كوسا - حكاية مقتبسة من التراث الشعبي- موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
---------------------------------------------