من المراجعات والمقالات النقدية:
مراجعة نقديَّة لقصَّة: لا شيء يعيقني
أحد المراجعات النقدية الفائزة في مسابقة دار (أركان).
كاتبة القصة: سنا الحاج
كاتبة المراجعة النقدية: شاشة الزوّاي
|
تم نشر المراجعة في كتاب: اقرأ (مجموعة من المراجعات الأدبية).
|
مراجعة نقديَّة لقصَّة "لا شيء يعيقني" لـ"سنا الحاج[1]"
مدخل:
لقد سعى كُتَّاب أدب الطفل إلى معالجة مختلف الموضوعات التي تُعنى بعالم الأطفال، لا سيما تلك التي يعايشون وقائعها في حياتهم اليوميَّة، أو تصبُّ في مجال اهتماماتهم، رغم ذلك فإنَّ معظم ما يُكتب في البيئة العربيَّة لا يلبّي حاجاتهم ولا يلمُّ بجميع قضاياهم ومشاكلهم كقضايا ذوي الاحتياجات الخاصَّة التي لا تنال الاهتمام الذي تستحقُّه كما هي في العالم المتقدِّم، ولعلَّ ذلك راجعٌ إلى النقص المعرفيِّ والتربويِّ في سبل تناول مثل هذه القضايا المحوريَّة؛ ومع ذلك ثمَّة جهودٌ في الساحة العربيَّة قد حاولت ولوج مضمار الكتابة عن فئة ذوي الاحتياجات الخاصَّة تصحيحًا لبعض المفاهيم الخاطئة عن الإعاقة، وتشجيعًا للأطفال على قبول الاِختلاف، ومن أمثلة بعض هذه الكتابات: (بذور الأمل)[2]). وقصَّة (منقوشة مريم)([3])، و(أروع صديقين في العالم)([4]).
1: الخطاب الغلافي: (الشكل والدلالة):
إنَّنا لا نبالغ إذا ما قلنا بأنَّ الغلاف الجميل هو الطُّعم المناسب الذي يستهوي الأطفال بصوره الجميلة وألوانه المتناسقة التي تملك سحرًا يفوق-أحيانًا - سحر الكلمات وهذا ما يجعلهم يقبلون على اقتناء هذه الكتب أو قراءتها بسبب صناعتها الفاخرة ورسوماتها البديعة، ولعلَّنا سنكتشف من خلال تحليل مكوِّنات غلاف قصَّتنا الموسومة بـ"لا شيء يعيقني" بعضًا من سماتها الجماليَّة والدلاليَّة المتعالقة مع متنها الحكائيِّ.
يحيط بالواجهة الأماميَّة من الغلاف إطاران متباينان في السمك واللَّون؛ فالإطار الخارجيُّ أسود والداخليُّ أخضر، ويظهر في القسم العلويِّ من الغلاف عنوان القصَّة ببنطٍ كبيرٍ سميكٍ وهو يتوسَّط سحابةً خضراء بحدودٍ بيضاء رقيقة،كما تظهر في الغلاف لوحةٌ تبرز الشخصيات المشاركة في القصَّة وملامح السعادة بادية على وجوهها، فضلاً عن ذلك فهي تظهر بملابسَ صيفيَّةٍ تكشف عن زمن القصَّة، ولقد تمايز تموضع هذه الشخصيات على الغلاف وجاء التركيز -أكثر- على الفتاة المعاقة التي تطلُّ من شرفةٍ مزخرفةٍ بنقوشٍ نباتيَّةٍ تحفُّها زهورٌ ملوَّنةٌ وكأنَّها تريد التحليق في الفضاء حرَّة طليقة دون أن يعيقها حاجز مثل العصافير التي تحوم حولها، كما يظهر في الزاوية السفليَّة من الغلاف اسم مؤلِّفة القصَّة مشفوعًا بدرجتها العلميَّة داخل مستطيلٍ أخضر ذي حوافّ منحنية وإلى جنبه اسم راسم غلاف القصّة، ويقابلهما ختم دار النشر بلوْنٍ ذهبيٍّ مشعٍّ، أمّا الواجهة الخلفيَّة فقد غطّتها خلفيَّةٌ سوداء معتمة، يعلوها مستطيلٌ أخضر ذو حوافّ منحنية في وسطه عبارات تحدِّد الموضوع المستهدَف من القصّة، ويتوسّط الواجهة مقتطفٌ مثيرٌ اُقتُبِس من القصّة وفي أسفله رمز دار النشر وعلامتها التجاريَّة مصحوبًا بختم مؤسَّسة الفكر العربيّ، وممَّا يلاحظ على مستوى العنوان اقترانه بالسحابة التي تسمو وتحلِّق في الأجواء؛ إذ أوحت إلى الأمل والسموِّ والتحدي ودليل ذلك تموضعها في القسم العلويِّ من الغلاف كما تتموضع في أعالي السماء، أمّا على مستوى معلومات النشر الأخرى؛ فالحقّ إنَّ الأطفال لا يولون اهتمامًا كبيرًا بها وفي اعتقادنا بأنَّها موجَّهة-أكثر- إلى مكتبات الأطفال والأولياء؛ لأنَّهم هم المشرفون -غالبًا- على اقتناء الكتب المناسبة؛ لقدرتهم على معرفة مواءمة أهدافها تطلُّعات الفئات العمرية الطفليّة جماليًّا وفكريًّا؛ وإن كان ثمّة ما يثير اهتمام الأطفال وفضولهم في قراءة المعلومات النشريّة؛ فإنَّ ذلك لا يعني إدراكهم التامّ لها؛ فمثلا عبارة "تقبُّل الآخر" الظاهرة على ظهر الغلاف يستبعد أن يدركوا دلالتها؛ لأنّها عبارةٌ بعيدةٌ عن قاموسهم اللغويِّ.
2 التعالق العنواني مع المتن الحكائي:
يعتبر العنوان بؤرة النص الأساسيَّة ونسيجه المكثَّف، ويتطلَّب الوصول إلى دلالته المتعالقة مع النص كفاءةً تأويليَّةً عاليةً تقدر على اختراق بنياته العميقة المحيطة بنسيج النصِّ، ولأنَّ قدرات الأطفال متباينةٌ في ممارساتهم القرائيَّة للعنوان؛ فإنَّنا سنجد صنفًا يجنِّد كلَّ طاقاته التأويليَّة في اقتحام النص وتأويله، وصنفًا آخر يقف على حدود عتباته محاولًا اقتناص دلالته السطحيَّة، وصنفا ثالثًا يكتفي بالوقوف خارجه عاجزًا منتظرًا المعونة، والجدول الآتي يرصد أهمَّ الاحتمالات التي يمكن أن يتنبَّأ بها المتلقي الصغير قبل أن يسبر أغوار النصِّ الحكائيِّ:
من المراجعات والمقالات النقدية - مراجعة نقديَّة لقصَّة: لا شيء يعيقني - كاتبة المراجعة النقدية: شاشة الزوّاي - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
وإذا أردنا معرفة مدى تعالق دلالة العنوان مع المتن الحكائيِّ عبر ثنائيتي "الاستسلام والتحدّي"؛ فتوجد أمثلةٌ بارزةٌ في النصِّ تظهرهما منها: المشهد الذي يبرز خوف "سَنا" من خوض معترك الحياة بنفسها، ومقاومة صعابها حيث عبَّرت عن ضعفها بالبكاء:
«وعُدْتُ إلى البَيْتِ خائِفَةً باكِيَةً، وما إِنْ رَأَيْتُ أبي حَتَّى رُحْتُ أَبْكي بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ»(
وتجدر الإشارة إلى أنَّ العنوان المزيَّف قد أعلن- هو الآخر- عن هاتين الثنائيتين الضدِّيتين من خلال تضافر العلامة الأيقونيَّة المصاحبة له مع المتن الحكائيّ؛ حيث وصف هذا الأخير حماس الفتاة في اللعب وإصرارها الكبير على الفَوْز:
«حَمَلْتُ العُكّازتين بِيَدٍ واحِدَةٍ، ورَمَيْتُ الْحَجَرَ بِالْيَدِ الْأُخْرى، ثمَّ وَقَفْتُ عَلى قَدَمٍ واحِدَةٍ، وقَفَزْتُ بِمُساعَدَةِ الْعُكّازَتَيْنِ...»([6]).
3 بنية المسار الحكائي:
لعلَّ أيَّ متتبَّعٍ لمسار الحكي في نسيج الحبكة القصصيَّة المتعلِّقة بقصَّتنا؛ سيلاحظ وجود مسارَيْن اثنيْن في تسلسُل الأحداث: مسار رئيسيٍّ ومسار فرعيٍّ إضافيٍّ؛ حيث رصدا تحَوُّل مسار "سنا" نحو إثبات الذات والنزوع إلى الاستقلاليَّة.
أوَّلاً: مسار الحكي الأوَّل:(الرئيس):
إذا ما تتبَّعنا مسار الأحداث(1) في المتن الحكائيِّ سنلاحظ تسلسلها الخطِّيَّ؛ حيث تكوَّنت من المراحل الرئيسيَّة في بناء القصة: المقدِّمة، العقدة، الحلّ؛ إلاَّ أنَّ مرحلتها الأخيرة يمكن أن تشكل بؤرة تَوتُّرٍ لدى الأطفال؛ لأنَّهم سيتوقَّعون وصول القصَّة إلى نهايتها عندما أثبتت "سَنا" قدرتها على الإنجاز والتحدِّي؛ وذلك بتغلُّبها على أولاد الحيِّ في لعبة الحجر والمربَّعات؛ لكن يبدو الأمر غير قابلٍ للتصديق عندما تتجاوز الإثارةُ حدود المعقول؛ فتمَكُّن "سَنا" من القفز بسهولةٍ فضلاً عن تغلُّبها على جميع أولاد الحيِّ في هذه اللعبة قد لا يقنع جميع الأطفال؛ لأنَّها لعبةٌ غير مناسبةٍ لذي الإعاقة الحركيَّة؛ فقد تُخلِّف إصاباتٍ تزيد من حدَّة الإعاقة كأبسط مثال.
من المراجعات والمقالات النقدية - مراجعة نقديَّة لقصَّة: لا شيء يعيقني - كاتبة المراجعة النقدية: شاشة الزوّاي - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
ثانيًا: مسار الحكي الثاني(الإضافيّ):
بالرغم من تعالُق مسار الأحداث(2) مع مسار الأحداث (1) وانسجامهما داخل المتن الحكائي؛ إلا أنَّه في اعتقادنا بأنَّ هذا المكوِّن-مع أهمِّيته-إضافيٌّ؛ إذ يمكن الاستغناءُ عنه كليَّة والاكتفاءُ بمسار الأحداث (1) والذي انتهى بلحظة فَوْز "سَنا" على أولاد الحيِّ دون أن تفقد القصَّة جماليتها، ولعلَّ المبدعة ترتجي من إضافة هذا المكوِّن الإضافيّ تعريف المتلقِّي الصغير بإحدى خصوصيَّات ذي الإعاقة الحركيَّة والمتمثِّلة في متعلِّقات "الحذاء الطبيِّ" التي يجهل عنها الكثيرون.
من المراجعات والمقالات النقدية - مراجعة نقديَّة لقصَّة: لا شيء يعيقني - كاتبة المراجعة النقدية: شاشة الزوّاي - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
ومجمل القول إنَّ قصَّة "لا شيء يعيقني" تهدف إلى تأسيس ثقافة تقبُّل الاختلاف لدى المتلقي الصغير، وتخليص ذهنه من نظرة الإشفاق والعطف على ذوي الاحتياجات الخاصَّة وإثبات قدرتهم على النجاح والتفوُّق.
-------------------------------------
([1]) الدكتورة سنا الحاج: رئيس دائرة البحوث والدراسات -مديرية الدراسات والمنشورات- في وزارة الإعلام اللبناني وكاتبة قصص أطفال من لبنان.([2])ينظر: لينا كيلاني، سلسلة بذور الأمل، ٍالدار المصرية اللبنانيّة، القاهرة، (ط،1)، 2006.([3])ينظر: نبيهة محيدلي: منقوشة مريم، دار الحدائق، بيروت، (ط،1)، 2013.([4])ينظر: أحمد بنسعيد: أروع صديقين في العالم، مجلة العربي الصغير، عدد يناير، 2017، الكويت، ص20-21.([5])سنا الحاج: لا شيء يعيقني، دار أصالة، (ط،1)، 2017، (د.م.ن)، ص6.([6])(م،ن): ص13.
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتبة: شاشة الزوّاي، وللمزيد من المراجعات والمقالات النقدية يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: شاشة الزوّاي ومراجعات قصص الأطفال ومقالات نقدية لقصص الأطفال.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم النشر بطلب من كاتبة المراجعة: أ. شاشة الزوّاي، وذلك بعد حصولها على إذن من الناشرين.
---------------------------------------------