من المراجعات والمقالات النقدية:
أدب الطفل وحل المشكلات السلوكية
قراءة: حيدر هوري - صفحة طباشير
قراءة في قصة: طائر النوم - للكاتب: علي الرشيد - رسوم: لينا ندّاف - الصادرة عن (دار البنان) في عام 2020 نموذجًا في معالجة مشكلة النوم عند الأطفال.
من المراجعات والمقالات نقدية: أدب الطفل وحل المشكلات السلوكية - قصة: (طائر النوم) في معالجة مشكلة النوم عند الأطفال نموذجًا - قراءة: حيدر هوري- صفحة طباشير - موقع (كيدزوون | Kidzooon) |
موضوع النوم ومشكلاته لدى الأطفال
موضوع النوم ومشكلاته لدى الأطفال من المواضيع التي لاقت اهتماما كبيرا من قبل كتّاب أدب الطفل، غير أن أغلب النصوص المنتجة تكون دائرة في فلك الوعظ والإرشاد التقليدي الذي لا يحبه الأطفال، فالطفل صاحب خيال خصب، لا يحب أن يتقيد في بعض الأحيان حتى بالحقائق والعلوم، فما بالكم بالوعظ والنصيحة وكل ما يمكن أن يشعره بأنه خاضع للإملاءات.
سنتوقف في قراءتنا أمام تجربة الكاتب (علي الرشيد) في معالجة مشكلة النوم عند الأطفال في قصته (طائر النوم) الصادرة عن (دار البنان) في عام 2020 برسومات (لينا ندّاف)..
عتبة النص؛ العنوان
سأنطلق من عتبة النص؛ العنوان، والذي لا يقل أهمية عن المتن في الأعمال الأدبية عموما، والأدب الموجه إلى الأطفال بشكل خاص.
سنلاحظ أن الرشيد قد صدر نصه بعنوان مختلف عن العناوين التقليدية مثل (فلان لا ينام باكرا.. لماذا لم تنم يا فلان؟) وسواها من العناوين الرتيبة، فاختار عنوان (طائر النوم) العنوان الذي سيكون كفيلا بجذب الطفل إلى أن يقلب صفحات الكتاب لمعرفة حقيقة هذا الطائر، ولماذا سمي بهذا الاسم؟ وهل هو موجود أم لا؟ وماذا يفعل؟!
طائر النوم في قصة الرشيد
طائر النوم في قصة الرشيد، هو الطائر المحب للأطفال، والذي يقوم بزيارتهم في الليل وبشكل يومي، كي يعزف لهم ألحانا جميلة وهادئة تساعدهم على النوم بعد يوم حافل باللعب والدراسة والمرح.
((عِندَ السّاعَةِ العاشِرَةِ مِنْ كُلِّ لَيلَةٍ، اعْتادَ طائِرُ النَّومِ اللَّطيفُ أَنْ يَزورَ الأَطْفالَ في بُيوتِهِم، لِـيُداعِبَ عُيونَهُمُ المُرْهَـقَـةَ مِنْ كِتابَةِ الواجِباتِ، وَمُذاكَرَةِ الدُّروسِ، وَمُشاهَدَةِ التِّـلْفازِ، وَالاِسْتِمْتاعِ بِأَلْعابِ الأَلواحِ الذَّكِيَّةِ، ثُمَّ يَحومُ فَوْقَ أَسِرَّتِهِمْ، فَيَعْزِفُ لَهُمْ أَنْغامًا هادِئَةً، تَجْعَلُهُم يَسْتَسلِمونَ لِـلنُّعاسِ، وَلا يَتْرُكُ غُرَفَ نَوْمِهِم حَتّى يَطْمَئِنَّ بِأَنَّهُمْ انْطَلَقوا في مُغامَراتِ أَحْلَامِهِمِ الجَميلَةِ.))
بداية أحداث القصة
تبدأ الأحداث مع شعور بعض الأطفال في أحد أحياء المدينة بكرههم لطائر النوم، الذي يتدخل في حياتهم، ويمنعهم من الاستمرار في اللعب بالأجهزة الذكية، أو متابعة التلفاز، ويزداد عدد الكارهين له يوما بعد يوم، إلى أن يشعر الطائر بأنه أصبح مكروها من قبل الأطفال فيقرر مغادرة المدينة؛ ليسكن في كهف كبير في أعلى قمة الجبل.
(( لَمْ تَـتَوَقَّفْ شَكاوى أَطْفالِ الحَيِّ ضِدَّ هذا الطّائِـرِ، لكِنَّ صَدْمَتَهُ كانَتْ قَوِيَّةً عِنْدَما سَمِعَ "ماجد" يَقولُ لِأَصدِقائِهِ:"لِـمَ لا يُغادِرُ هذا الطّائِـرُ المُزْعِجُ مَدينَـتَـنا مِنْ دونِ رَجْعَةٍ، وَيَـتْـرَكُ لَنا اللَّيْلَ، لِـنَسْتَمْتِعَ وَنَمْرَحَ فيهِ كَما نَشاءُ؟".)).
الجميل في سياق النص
الجميل في سياق النص، أن الرشيد عندما بدأ الأطفال يشعرون بمشاعر الكره تجاه الطائر الذي يساعدهم على النوم، كتب بأن الطائر قرر ترك المدينة حبا بالأطفال، لا لينتقم منهم، ولا ليبادلهم الكره بالكره، وهذه الإشارة إلى فعل التضحية جاءت مناسبة وموفقة جدّا.
(( حَزِنَ طائِرُ النَّومِ، لكِنَّهُ قَـرَّرَ الاِستِجابَةَ لِـرَغبَةِ الأَطفالِ، فَطارَ بَعيدًا إِلى قِمَّةِ جَبَلٍ شاهِـقٍ، وَدَخَلَ كَهْفًا قَديمًا، لا يُمْكِنُ أَنْ يَراهُ فيهِ أَحدٌ، وَقَـرَّرَ التَّوَقُّـفَ عَنْ أَداءِ عَمَلِهِ اليَومِيِّ نِهائِيًّا.)).
الجانب التربوي والنفسي في أحداث القصة
لم يهمل الكاتب الجانب التربوي والنفسي في أحداث قصته، بل قام بعرض الأسباب التي تؤدي إلى حدوث مشكلات النوم عند الأطفال، وربط الأسباب بالسهر واللعب بالأجهزة الذكية. غير أن العرض جاء تقليديا بعض الشيء، وكان يمكن أن يتم العرض بأسلوب آخر، ومع ذلك كان موفقا في ذلك.
(( "أَنا لا أُحِبُّ هذا الطّائِرَ، لِأَنَّهُ يَحْرِمُني مِنْ مُواصَلَةِ اللَّعِبِ عَلى الأَلْواحِ الذَّكِيَّةِ". هكَذا قالَتْ سارَةُ لِأَخيها أَنْوَرَ.فَرَدَّ أَنْوَرُ: "وَأَنا أَتَضايَقُ مِنْهُ مِثْـلَكِ، لِأَنَّهُ يَحْرِمُني مِنْ متابعة مُشاهَـدَةِ التِّـلْـفاز".)).
من الجوانب النفسية في أحداث القصة
وأيضا من الجوانب النفسية التي يذكرها الكاتب، أن قلة النوم يتسبب بجعل الإنسان سريع الغضب، ودائم الصراخ. ومتعبا، ومهملا لواجباته، أو أنه لن يقوم بها على أكمل وجه. وهذه من النقاط الهامة التي قام بسردها في النص.
((مَضَتْ ثَلاثَةُ أَيّامٍ مُتَوالِـيَةٍ، لَمْ يَغمُضْ فيها جَفْنٌ لِجَميعِ سُكّانِ المَدينَةِ، مِنَ الكِبارِ وَالصِّغارِ؛ شَعَروا بِالإِرْهاقِ، وَصاروا يَغضَبونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَغْضَبونَ بِسُرْعَةٍ، وَيَعْلو صِياحُهُمْ لِأَدْنى مُشكِلَةٍ.)).
((في الصَّباحِ، تَغَيَّبَ العُمّالُ عَنْ عَمَلِهِمْ في مَزارِعِ الوُرودِ، وَالطُّلاّبُ عَنْ مَدارِسِهِمِ، وَتَوَقَّـفَتْ حافِلاتُ النَّـقْـلِ وَسَيّاراتُ الأُجْرَةِ عَنِ الحَرَكَةِ، وَخَلَتِ الشَّوارِعُ مِنَ المارَّةِ، لِأَنَّ الجَميعَ لَمْ يَخْرُجوا مِنْ بُيوتِهِم، بِسَبَبِ التَّعَبِ وَقِـلَّة التَّـرْكيزِ، وَلَمْ تَـقُمِ الأُمَّهاتُ بِـتَـنْظيفِ البُـيوتِ، أَوْ تَجْهيزِ الطَّعامِ، وَلَمْ يَعُدْ بِمَقْدورِ الأَطْفالِ اللَّعِبُ بِالكُرَةِ.)).
بحث الأطفال عن طائر النوم
مما لابد ذكره أيضا، أن الكاتب جعل الأطفال يقومون بالبحث عن طائر النوم، بعدما عرف الناس والملك أن أطفال حي (السهر)، هم السبب في مغادرة الطائر. ونجده قد جعل الأطفال يتناقشون ويتباحثون فيما بينهم للبحث عن الطائر، ولوضع الآلية المناسبة من أجل إيجاده وإقناعه بالعودة.
(( اِقْـتَـرَحَتْ ماسَةُ أَنْ يَنْثُروا الحَبَّ في الأَماكِنِ الَّتي يَبْحَثونَ بِها عَنْهُ، لَعَلَّهُ يَـكونُ جائِعًا فَـيَعْثُرونَ عَلَيْهِ؛ وَاقْتَرَحَ لُؤَيُّ أَنْ يُنادوهُ بِصَوْتٍ مُرْتَـفِعٍ عِنْدَما يُفَـتِّـشونَ عَنْهُ، لَعَلَّهُ يَسْمَعُ صَوْتَهُمْ؛ بَيْنَما اقْتَرَحَتْ دانِيَةُ أَنْ يَعْزِفوا أَجْمَلَ الأَلْحانِ، وَيُـنْـشِدوا أَحْلى الأَناشيد، وَهُمْ في رِحْلَةِ البَحْثِ عَنْهُ، لِأَنَّ طائِـرَ النَّوْمِ يُحِبُّ الموسيقى، وَيَعْشَقُ الغِـناءَ، حَظِيَ المُقْـتَـرَحُ الأَخيرُ بِمُوافَـقَةِ الجَميعِ.)).
جماليات كثيرة في النص، لكن ماذا عن الفكرة والعنوان؟
بالرغم من الجماليات الكثيرة في النص، إلا أنني شعرت بأن الكاتب قد ظلم فكرته، وعنوان قصته، عندما قام بسرد بعض الأحداث بأسلوب تقليدي. كان يمكنه أن يستمر في سرد الأحداث بأسلوب يتناسب مع فكرته الإبداعية التي تدور حول طائر النوم المفقود، وحتى الخاتمة كانت تقليدية أيضاً.
((بِعَوْدَةِ طائِـرِ النَّوْمِ، عادَتِ الحَياةُ في المَدينَةِ إِلى طَبيعَـتِها. يَنامُ الأَطْفالُ، كُلَّ لَيْلَةٍ باكِرًا، لِيَسْتَيقِـظوا صَباحَ اليَوْمِ التّالي بِهِمَّةٍ وَنَشاطٍ. وَمُنْذُ ذلِكَ الوَقْتِ، غَـيَّرَ الأَطْفالُ اسْمَ حَيِّهِمْ مِنْ "حَيِّ السَّهَر" إِلى "حَيِّ الجِدِّ وَالعَمَل"، وَأَصْبَحَ "طائِرُ النَّوْمِ" أَحَبَّ الطُّيورِ إِلى قُـلوبِهِم.)).
النص حسب رؤية "هوري" الخاصة
النص من رؤيتي الخاصة، كان يمكن اختصاره وتكثيفه بما لا يؤثر على أحداثه، وهذا لا يعني أنني أقف موقف الضد من النصوص الطويلة، بل أقول بهذه الرؤية منطلقا من التمييز بين النص الطويل والمطوّل. فالنص الطويل، هو النص الذي لا يمكننا إلا في مساحات ضيقة، وأماكن قليلة من إجراء عمليات الحذف والاختصار على العكس من النص المطوّل.
وأخيراً، أرى أننا بحاجة إلى النصوص التي تتعامل مع الطفل بما يتناسب وخياله، وذكائه العاطفي، سواء كانت نصوصنا تدور حول سرد المشكلات التي يعاني منها الأطفال، أو النصوص التي توسع من فضاء مداركه وعلومه وخياله. وأن الكاتب علي الرشيد كان موفقا في عرض مشكلة النوم وحاول أن يصل إلى الحلول المناسبة كي يتجاوز الأطفال هذه المشكلة من خلال سرد أسبابها ونتائجها.
---------------------------------------------
هذه القراءة هي واحدة من عدد من الدراسات والقراءات النقدية التي تقدمها: صفحة طباشير عبر الفيسبوك.
---------------------------------------------
للمزيد من قصص وأعمال الكاتب: حيدر هوري، وللمزيد من المراجعات والمقالات النقدية يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: صفحة طباشير ومراجعات قصص الأطفال ومقالات نقدية لقصص الأطفال.
---------------------------------------------لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.
---------------------------------------------تم النشر بموافقة من كاتب القراءة النقدية: أ. حيدر هوري.
-------------------------------------