من قصص اليافعين - قصة: أنا والخياطة لا نجتمع - تأليف: رحيمة سهيلي - رشّحت القصة للفوز بمسابقة القصة القصيرة للكاتبة خولة حمدي 2019

القائمة الرئيسية

الصفحات

من قصص اليافعين - قصة: أنا والخياطة لا نجتمع - تأليف: رحيمة سهيلي - رشّحت القصة للفوز بمسابقة القصة القصيرة للكاتبة خولة حمدي 2019

من قصص اليافعين:

قصة: أنا والخياطة لا نجتمع

رشّحت القصة للفوز بمسابقة القصة القصيرة للكاتبة خولة حمدي 2019

من قصص اليافعين - قصة: أنا والخياطة لا نجتمع - تأليف: رحيمة سهيلي - رشّحت القصة للفوز بمسابقة القصة القصيرة للكاتبة خولة حمدي 2019- موقع (كيدزوون | Kidzooon)
من قصص اليافعين - قصة: أنا والخياطة لا نجتمع - تأليف: رحيمة سهيلي - رشّحت القصة للفوز بمسابقة القصة القصيرة للكاتبة خولة حمدي 2019- موقع (كيدزوون | Kidzooon)
"مرحبا بك يا سيّدتي. لحظاتٌ و أعودُ إليكِ. عليّ أن أنتهي أولاً من الزّبونات اللّاتي وصلن قبلك"

كانت تلك هي الجملة الوحيدة التي قالها لي بائع القماش الشاب قبل أن يلتقط خيطا عنّابي اللّون بخفّة ويختفي خلف الجدار وهو يسابق خطاه. لم أصدّق عيناي عندما رأيته يقفز بكل حماس في مثل هذا الوقت الباكر. 

إنها السّابعة والنّصف صباحا.

 ولولا احتياجي لنوع خاص من القماش المخملي البنفسجي اللون لما استيقظت هذا الوّقت، ولما كلّفت أخي عناء توصيلي إلى باب بسكرة، وبالتحديد: زقاق التّمّارة (نسبة إلى بائعي التمر( وهو أحد أقدم الأحياء الشعبية المتّخصصة في بيع الأقمشة ولوازم الخياطة والمخيط في منطقة الهضاب العليا في الجزائر. ولولا أن المحلّ كان مضاءً وبابه مفتوحٌ، لشككتُ في وجودُ باعةٍ فيه. 

"عن أي زبوناتٍ تتحدّث يا أخي؟"، لكنه لم يسمع سؤالي. 

وصلنَ قبلي؟ قبلَ السّابعة و النّصف؟ لكن أين هنّ؟ لا أرى أحداً غيري في المكان. لم أنجح في طرح أسئلتي لأن الشّاب كان قد عاد من حيث أتى قبل أن يرتدّ إلي طرْفي.

 قد تنزعج إحدانا في مثل هذه المواقف وتقفل راجعةً من حيث أتتْ. وخاصّةً إذا ما ناداها أحدهم بـ "سيّدتي" وهي في الحقيقة لا تزال آنسة. تلك الكلمة الأشبه باللكمة! و لكنني قرّرت الانتظار. هذا المكان يستحقّ بعضاً من وقتي.

إن المحلّ يشبه المتحفَ أكثر منهُ بالمحلّ العاديّ.

 نظرتُ إلى واجهتهِ ذات الإطار الخشبيّ المنقوش وقلت في نفسي:
منذ متى لم أر شيئا بهذا الجمال؟ إن هذه الواجهةَ تتباهى بفخرٍ بكلٍّ أنواع الأقمشة. و كأنّما هي طاووسٌ مغرورٌ يجبركَ على أن تحملق بعينيك في ألوانه البديعة. وكأنّما البائعَ مغامرٌ متجوّلٌ، صادف قوس قزحٍ واغترف غرفةً منه ثم نثرها على أقمشته في المحلّ. 


أصابتني دوخةُ الألوان. ولمن لا يعرفها فهي عبارة عن حالةٍ تجعلك لا تفرّق بين الأزرق و التّركوازيّ فتحسبهما أخضرا! و يصبح اللونان البرتقاليّ الهادئ واللحميّ لونا واحدا! فمسح عيناي وتحمست كثيرا لدخول المحل، ورسمت ابتسامة عريضة على وجهي، استبشارا بكل ما سأجده في الدّاخل.


ولم يكد أن يغيب البائع الشّابُّ عنّي حتى انتابنيَ الفضول وقرّرت تتبُّعه.

 ما إن تقدّمت نحو الجدار حتّى ظهرت لي غرفةٌ أخرى و كأنها مغارة علي بابا، فيها أربعةُ نساءٍ جالساتٍ على كراسٍ خشبيّة، ويبدو من هيئتهنّ أنهنّ صاحبات حرفة.

 أكادُ أجزم أنّ كلَّ واحدةٍ منهنّ تعرف الأقمشة والخيوط كما تعرف إحدانا ولدها - أو لمن لم يرْزقن بالولد بعدُ أقول: كما تعرفُ إحدانا قطّتها!

يبدو أنهنّ كنّ يتناقشن في موضوعٍ مهمٍّ جدّا لأنهنّ لم يلْحظنَ دخولي أصلاً. ولكنني كشفت عن حضوري قائلةً: "هل ما تمسكونه بين أصابعكنّ جواهر حقيقيّةٍ؟".

اِلتفَتتْ إليّ النّساء باستغراب. ولكنّهن لم يلبثن طويلا في ذلك. وعُدنَ إلى الحديث عن ما كان بين أيديهن من متاعٍ و كأنّني فاصلٌ إعلاني!

قالت إحدى النّساء الكبيراتِ في السّن و كأنها تطوّعت نيابة عن الجميع في الإجابة على سؤالي: " تقريبا يا بنيّتي. إنّها أحجارٌ كريمة".

تقدمت إليها لمعرفة المزيد. ولكنّ قدماي ساقتاني إلى سيّدة أخرى لا أرى منها غير عيناها المختبئتان خلف عجار الوجه الأبيض الجميل. أردّت سؤالها عن القماش اللامع الذي تمسكه بين يديها و كأنّه رضيعٌ صغيرٌ يوشكِ على الاستيقاظ من النّوم. كانت في محادثةٍ من نوعٍ آخرَ مع البائع الشابّ.

هي: " لا يا بنيّ ليس هذا. أريد واحدا مثله مضافٌ إلى خيطٍ بلاستيكيٍّ وليسَ حديديّ"

هو: "لماذا يا خالتي؟ الخيط الحديديُّ أغلى سعرا. ألا يعني هذا أنّه أحسنُ جودة؟"

هي: " أبدا! فأنت إذا ما غسلتَ الحديديَّ صدأ بين ليلة وضحاها. وسَيترك لكَ بقعا لا تزول من على قماشك. أريده من البلاستيك يا بني لكي لا أواجه مشاكل في الغسيل. لا أنا ولا المرأة التي ستلبسه فيما بعد. وستحتفظ بثوبها مدة طويلة. إنّه الضمان الأخلاقي يا بنيّ. "

نظر إليها الشّاب وقال:" حالا يا خالتي". وأسرع الخطى إلى مخزنه ليحقق لها مطلبها. 

فأضافت له من بعيد:
 أريد البلاستيك المستورد من إيطاليا و ليس من الصين".

أجابها من بعيد: "تحت أمرك".

قلت في نفسي: سبحان الله! إن صاحب المحل يتعلم من زبائنه. إنّه يبيع لها كلّ ما تحتاج إليه وبكل ما آوتيَ من تواضع. شاكرا لها تلك النّصيحة التي ستدر عليه الملايين و الملايين من المشتريات الأخريات. تجارته لا تعتمد على شطارته وحسب. بل تعتمد أيضا على المشترية نفسها. و لهاذا السبب فإنه إذا ما دخلت إحداهنّ محلّه، تجده قد أرخى لها كلّ أجنحة الاحترام والتّقدير والاستقبال الحسن. لأنه يعلم تمام العلم أن من يقصده من نساء لهن باع في الخياطة. وليس مثل حالتي! وأنه هو من يحتاج إليهن ولسن هن من يحتجن إليه. فالباعة غيره كثر. وكسب زبونة تعرف حرفتها وحرفته أكثر من نفسه أغلى عنده من كسب ماله! أما هنّ، فتراهنّ يدخلن وعليهنّ تاجُ الهيبة و الوقار. يتربّعن المكان و كأنهن ملكات على عروشهنّ.

في أثناء بحثه عن الخيط المنشود انتبهت المرأة إلى حضوري قالت: "كيف استطيع مساعدتك؟"

قلت لها: " لم أصادف حريرا بمثل هذا الجمال من قبل! كم يبلغ ثمن المتر منه؟"

قالت: أتقصدين بعد صبغه و نسجه ليصبح قماشا؟ لا أدري. فأنا لست إلا مربية دود قز في قريتي". 

يبدو أن عيناي قد جحظتا عندما قالت كلمة "دود" لأنها أسرعت بالإجابة مهدئة من دهشتي: "إن كنت تريدين معرفة السّعر فاطلبي من البائع. أنا حقا لا أملك الإجابة".

قلت لها: " دعيني من القماش. هل قلت دود قز؟" قالت: "آه صحيح. الكثيرات تتقززن من تلك الكلمة. مع أنها حرفة رائعة. تقبّلي اعتذاري". 

فأجبتها: "اعتذارك عن ماذا؟ إنّه أجمل شيء سمعته منذ سنين!".

كان صوتي مرتفعا. فباقي النساء نظرن نحوي للمرة الثانية باستغراب. فالتزمت الصمت لوهلة حتى أبلع دهشتي من كل ما سمعته في الدقائق الماضية. ولم تكمل النّساء حديثهنّ لولا عودةُ الشّابّ محمّلا بالطّلبات قائلا: "ها هم الـزيستخاس يا خالتي أمينة، و تفضلي الچالان المغربي حاجة سعدية، وها هو الحرير الذي طلبته الأسبوع الماضي يا سيدة ميمونة. هل اعجبك اللون؟".

غمرني شعورٌ غريب. كم على الإنسان التواضع في هذه الحياة. إنّ واحدة من هاته النّساء تصنع لك من قطعة قماشٍ عاديٍّ تحفةً تساوي الملايين. بخيطٍ وإبرة وأيضا: صبرٌ طويل. فما بالك إن هي أمسكتْ بين يديها بعضَ الخاماتِ الفاخرةِ مثل الحرير واللؤلؤ والعاج.

اقتربت من واحدة أخرى: "خالتي من فضلك. أحتاج إلى نوعٍ من القماشِ المخمليّ المتموّج. لا أريده جامدا كما نراه على بعض الوسائد في مجالسنا. وذا لون بنفسجي لكن دون لمعان ولا بريق، و عليه تطريز فضي لا يتمدد بتمدد النسيج. لكنني لا أعرف اسمه. ولا أين أجده. ولا كيف أطلبه!".

نظرت إلي مختصرة جملتي الطويلة ذات السطرين و النصف و قالت: "تقصدين قطيفة الفرچاني".

قلت بعد مرور بضعَ ثوانٍ: "ربّما". فضحكت الخالة حتّى رأيت بياض نواجذها.

قالت: "أريني مالذي ستفعلين به".

فأخرجْتُ لها كلّ ما في حقيبتي. وشرحت لها كلّ شيء. فاستمعتْ إلي بصبرٍ. وبإشارة منها غاب البائع الشاب لوهلة ثم عاد بأجمل قطيفة رأيتها في حياتي، وعلبة مبطنة بالقطن تحتوي على مجموعة من بكرات الخيوط الرائعة. التقط البائع الخيط الذهبي والفضي و وضعهما أمام خالتنا، وقال: "تفضلي".

و كأنه قرأ أفكارها. قالت له مشجعة: "أحسنتْ!". فتهلهل وجْهُهُ وكأنّه تلقى قبلةً من أمِّه! ثم نظرت إليّ الخالة وقالت: " أما بالنسبة للتّطريز فأنصحك بعدم استعمال الخيط الفضيّ فوق قماشك. جرّبي الخيط الذهبي فهو أقوى وأمتن وأحلى لونا من الأول. انظري معي". 

ما إن وضعت الخالة الخيط على القطيفة حتى تلألأ القماش أمام ناظري. إنه اللون المناسب تماما.

نظرتُ إلى خالتي و صاحبُ المحلّ وقلت: "اعتخقد أني سآخذ ما اقترحته الخالة. و كما يقول جورج قرداحي: هذا آخر جواب".

رد البائع: "طبعا! ستربحين أكثر من مليون! كم مترا تحتاجين؟"

نظرت إلى الخالة و سألتها: "أربعة؟"

قالت: "لا. ثلاثة أمتار و نصف تكفيك و زيادة ".

التزمت الصّمت و شرع البائع في تجهيز مشترياتي.

شكرت الخالة على وقتها وعلى تقديمها لحاجتي على حاجياتها. ثم ودّعت النّساء واحدةً تلو الأخرى. 

سألتني إحداهنّ: " هل تدرسين يا بنيّتي؟" 

قلت: "نعم".

قالت: "أنصحك بالبحث عن مكان يقدّم دروسا للمبتدئات في عالم الخياطة خلال عطلة الصيف. يبدو عليك الفضول لكل ما يمس هذا المجال".

قلت: " أشكرك على اقتراحك الرائع خالتي. لكني لست متأكدة من ايجاد معهد قريب من مدينتنا".

قالت امرأة أخرى: "وماذا عن معمل صغير نسائي لصناعة و إنتاج خيوط الحرير؟"

قلت مبتهجة: "حقا؟" 

قالت: "نعم. بإمكانك إحضار قماشك معك!"

عدت إلى المنزل بأكثر من قطعة قماش. عدتّ بتجربةٍ لا تُنسى. ورقمَ هاتفِ أقدم بيت تسكنه امرأة تحترفُ تَربية دود القزّ لصناعة الحرير الطبيعيّ في المنطقة! كم كانت قطعة الورقة المكتوب عليها رقم الهاتف ثمينة! أثمن من كل الأحجار الكريمة التي رأيتها في ذلك المحل.
---------------------------------------------

للمزيد من قصص وأعمال الكاتبة: رحيمة سهيلي يمكنكم الاطلاع على مواضيع الأقسام التالية: رحيمة سهيلي وقصص الأطفال وقصص اليافعين.

---------------------------------------------

لقراءة المزيد من قصص وإبداعات الكاتبات والكتاب في موقع (كيدزوون | Kidzooon) بإمكانكم الضغط على اسم الكاتب أو القسم المناسب لكم، وذلك من القائمتين الجانبيتين المعنونتين باسم: الأقسام والفروع.

---------------------------------------------

تم النشر من قبل كاتبة القصة: أ. رحيمة سهيلي.

-------------------------------------

نعلمكم بتوقف النشر عبر هذه المدونّة، وذلك لانتقالنا بالكامل لموقع (كيدزوون | Kidzooon) لأدب وقصص الطفل واليافعين فضلًا يرجى متابعة جديد كيدزوون من خلال موقعنا الرسمي الجديد: www.kidzooon.com شكرًا لتفهمكم.


نعلمكم بتوقف النشر عبر هذه المدونّة، وذلك لانتقالنا بالكامل لموقع (كيدزوون | Kidzooon) لأدب وقصص الطفل واليافعين فضلًا يرجى متابعة جديد كيدزوون من خلال موقعنا الرسمي الجديد: www.kidzooon.com شكرًا لتفهمكم.